تعتبر “فحوصات الدم” لدى الكثير من الاشخاص الذين يطلبون اجراءها نوعا من الحبوب المهدئة.

هنالك ادعاء يقول انه “اذا كان كل شيء في الفحص على ما يرام, فان بامكانك الاستكانة والاسترخاء”.

ومن المرجح ان يكون هذا هو السبب وراء احدى الجمل الشهيرة التي يسمعها طبيب العائلة او اختصاصي الامراض الباطنية وهي: “ايها الطبيب, ربما انا بحاجة الى اجراء الفحوصات!”. وعندما يسال الطبيب: اية فحوصات تريد؟ يكون الجواب عادة: “انت الذي يعرف”. او “كل الفحوصات”. او “فحوصات الدم” في احسن الاحوال.

حتى لو كنا نملك المليارات من الدولارات غير الضرورية لنا, بحيث يمكننا اجراء جميع الفحوصات المخبرية المتوفرة في العالم اليوم لاي مريض يدخل باب عيادة الطبيب, فسوف نخفق في تشخيص الكثير من الامراض. ومن جهة اخرى سوف يتم تشخيص اصابة كثير من الناس على انهم يعانون من امراض هي ليست موجودة لديهم في الحقيقة. ان سبب حصول مثل هذا الامر هو عدم وجود اي فحص مثالي في المختبر، حيث ان لكل اختبار حساسيته (sensitivity) ونوعيته المحددة (specificity).

نتيجة لذلك, هنالك العديد من الحالات التي حتى لو كان الشخص فيها يعاني من مرض معين فلن يظهر الفحص ذلك (اي يتم الحصول على نتيجة سلبية كاذبة – false-negative) وفي حالات اخرى يتم الحصول على نتيجة ايجابية, اي تلك التي تظهر وكان الشخص يعاني من مرض معين على الرغم من انه سليم تماما (اي يتم الحصول على نتيجة ايجابية كاذبة – false positive).

واذا لم يكن كل هذا كافيا, فهنالك قيمتان تهمان الطبيب والمريض فعلا: اذا ظهرت النتيجة ايجابية بالفعل – ما هو احتمال اصابتي بهذا المرض في الحقيقة؟
يطلق على هذه القيمة اسم “القيمة التنبؤية الايجابية للاختبار” (PPV), وفي المقابل, اذا كانت نتيجة الفحص سلبية, فما هو احتمال ان يكون الشخص المفحوص سليما حقا؟
يطلق على هذه القيمة اسم “القيمة التنبؤية السلبية للاختبار” (NPV). ولم تعد هاتان القيمتان تعتمدان على مدى دقة الاختبار (accuracy), اي بالتقنية, انما ايضا على مدى الانتشار التقديري للمرض في المجتمع الذي ينتمي اليه الشخص الذي خضع لهذا الاختبار, اي الشخص نفسه.

وهذه في الحقيقة هي كل نظرية الطب بشكل موجز: يسمع الطبيب قصة المريض, يفحصه, ومن ثم يبني لنفسه فرضيات: حيث تكون بعض الفرضيات ايجابية, اي ماذا يمكن ان يكون المرض الذي يعاني منه الشخص الذي خضع للفحص؟ وبعضها الاخر يكون فرضيات سلبية, اي ماذا لا يمكن ان يكون. وبعدها يقوم الطبيب باجراء فحوصات مخبرية محددة تساعده في التحقق من صحة فرضياته

واذا كان هذا الامر غير كاف, فسيتم استخدام اختبارات مختلفة لاهداف مختلفة: يتم استخدام بعض الاختبارات للتحقق من وجود الامراض الموجودة فعلا (مثل اختبار لحمل فيروس العوز المناعي البشري (HIV) او مؤشرات لمرض السرطان), والبعض الاخر من اجل الكشف عن عوامل الخطر لامراض اخرى (مثل اختبار الكوليستيرول او العلامات الوراثية), ويتم استخدام بعض اخر من اجل متابعة السيرورة الطبيعية لمرض معين ومراقبة العلاج (مثل اختبار الهيموجلوبين او مستوى الصوديوم في الدم).

ولذلك، فمنذ اليوم وصاعدا لا تقل: ايها الطبيب, اود اجراء جميع الفحوصات, انما يجب عليك القول: ايها الطبيب, انني اشعر بضعف, واعتقد بان لدي نقصا في الحديد او قصورا في الدرقيات (hypoparathyroidism). لذلك، اود من فضلك, اجراء اختبار العد الكلي لمكونات الدم (CBC) واختبار وظائف الغدة الدرقية.

بالاضافة الى كل هذا, فان فحوص المختبر, سواء كانت اختبارات الدم او البول, او التصوير المقطعي المحوسب (CT) للدماغ, لا تتماشى مع المقولة المذكورة اعلاه، اي استخدامها كحبوب مهدئة، اذ ان لهذه الفحوصات ثمنا اكبر بكثير، باضعاف، من ذلك الذي يترتب عن الحبوب المهدئة الاكثر تطورا, والتي لها تاثيرات جانبية يمكن ان تكون اسوا بكثير من التاثيرات الناجمة عن “الحبوب المهدئة”.

بشكل عام, ليس فقط ان هذه الفحوصات لا تحقق التهدئة فعلا, بل هي تزيد حتى من درجة الخوف. ان الحبوب المهدئة الافضل لاي شخص من اولئك الذين يخافون من الامراض هي ان يجد لنفسه طبيب عائلة يشعر مع المريض ويتفهمه، وان يكون صبورا بشكل خاص بحيث لا يخشى تحمل المسؤولية فيقرر اجراء اقل قدر ممكن من فحوصات المختبر.

هذا الجزء معد بشكل خاص للذين يخضعون للفحوصات, ومع هذا فقد يكون مفيدا ايضا للمرشحين لاجراء الفحوصات, وحتى للاشخاص المهنيين في المجالات الصحية. بسبب التخصصات الطبية الان ونفاذها الى ادق التفاصيل, فليس ثمة شك في ان طبيب العائلة لا يعرف كل شيء عن اختبارات العيون، مثلا، مثلما ان طبيب العيون لا يعرف كل شيء عن الاختبارات التي يجريها طبيب العائلة. وقد تستعين الممرضات به من اجل تعلم كيفية تجهيز المرضى للاختبارات الخاصة, وقد يؤدي الى استرخاء المرضى قبل اجراء الاختبارات (ومع هذا قد يفضل البعض اجراء الاختبار انطلاقا من اعتقاده بان هذا اكثر سهولة).