تتسبب المقاومة للمضادات الحيوية في تعقيد علاج العديد من حالات العدوى البكتيرية؛ مما يؤدي إلى إرتفاع معدل الوفيات وزيادة تكاليف الرعاية الصحية عالمياً. ومن الموثق علمياً أن زيادة مقاومة سلالات الميكروبات المعدية للمضادات الميكروبية أصبحت من أهم المشكلات الطبية التي يلاحظها الأطباء كمسبب رئيسي في فشل علاج الالتهابات الحادة التي يصاب بها المريض داخل وخارج المستشفيات، كما تؤدي إلى زيادة نسبة الوفيات بين المرضى، وتزيد من كلفة علاج المرضى إلى عدة أضعاف.

   

  ومقاومة المضادّات الحيويّة هي قدرة الكائن الحيّ الدّقيق على تحمّل مفعول المضاد الحيوي. وهي نوع خاصّ من أنواع مقاومة الأدوية. وتنشأ مقاومة المضادّات الحيويّة عن طريق الإصطفاء الطبيعي بواسطة الطفرات العشوائية، غير أنهُ بالإمكان هندستها بتطبيق ضغط نشوئي على مجموعة الكائنات الحيّة الدقيقة، وعندما يتم تكوّن الجين الجديد، تستطيع البكتيريا تحويل المعلومات الوراثيّة بطريقة أفقية بواسطة تبادل البلازميد (الحمض النّووي الدّائريّ).

  

  وظلت المضادات الحيوية تتعرض للمقاومة، وقد حذَّر ألكسندر فليمنج ـ مكتشِف البنسلين ـ من إمكانية حدوث ذلك لدى تسلمه جائزة «نوبل» في عام 1945. أما حالياً فالمضادات الحيوية التي إعتادت أن تكون علاجات معجزة مثل البنسلين والاريثرومايسين هي الآن أقل فعالية لأن البكتيريا أصبحت أكثر مقاومة. وكان الأطباء يستخدمون الأدوية الأكثر فاعلية باعتدال، فالترشيد الحذر في استخدام “ڤانكومايسين” مثلاً ـ وهو مضاد حيوي قوي ـ أدى إلى تأخير نشوء مقاومة البكتيريا ضده لثلاثة عقود. ويعتقد الباحثون أن الإستخدام الحصيف (الذي لا خلل فيه) للمضادات الحيوية سيحافظ على فاعلية الملاذ الأخير الباقي منها.

 

  وبيّنت عدّة دراسات أنّ طريقة إستعمال المضادات الحيوية تؤثّر بصفة كبيرة على تطوّر عدد الكائنات الحيّة الدّقيقة المقاوِمة. ويسرّع فرط إستعمال المضادات الحيوية ذات الطيف الواسع، مثل سيفالوسبورين، عمليّة تطوّر مقاومة المثيسلين. وهناك عوامل أخرى تتمثّل في التّشخيص الطّبّي غير الدّقيق، وصف الطّبيب أدوية غير ضروريّة، والإستعمال غير المناسب للمضادّات الحيويّة من طرف المريض، إلى جانب إستعمال المضادّات الحيويّة كموادّ إضافيّة لطعام المواشي لتشجيع نموّها.

 

    آليّة مقاومة المضادّات الحيويّة

  تتمّ مقاومة المضادّات الحيويّة عبر عدة طرق مثل تثبيط أو تغيير المضادّ الحيويّ: مثل التّثبيط الإنزيمي للبنسلين جPenicillin G عند بعض البكتيريا المقاومة للبنسلين عن طريق تصنيع بيتا لكتاميز. و تغيير موقع الهدف (موقع فعاليّة المضادّ الحيويّ): مثل تغيير موقع فعاليّة البنسلين PBP  – عند نوع من البكتيريا يدعى العنقوديات الذهبية المقاومة للمثسلين  MRSA، كذلك عند بكتيريا أخرى مقاومة للبنسلين. وتغيير الطّريق الأيضيّ: بارا أمينو بنزويك أسيد PABA هو عامل مهمّ لصنع حمض الفوليك والأحماض النّوويّة لدى البكتيريا، يمكن تثبيط هذا العامل عن طريق السّلفوناميد. غير أنّ بعض البكتيريا المقاومة للسّلفونميد تستغني عن هذا العامل الأساسيّ عن طريق استعمال حمض الفوليك الجاهز (بأخذه مباشرة من محيطها مثلا)، تماما مثل الخلايا الحيوانيّة. والتّقليل من تراكم المضادّ الحيويّ: عن طريق التّقليل من نفاذيّة المضادّ الحيويّ إلى داخل الخليّة و/أو تسريع التّدفّق النّشط (الضّخّ إلى المحيط) للأدوية عبر الغشاء الخلويّ البكتيريّ.

  

  ويُعَدّ أحد أسباب الإنتشار السريع جداً للسلالات البكتيرية المقاوِمة هو صعوبة إكتشافها. فمعظم مختبرات الأحياء المجهرية الإكلينيكية لم تعد تبذل جهداً لتحديد العقاقير التي تؤثر فيها، وعوضاً عن ذلك هناك أنظمة آلية تُعَرِّض البكتيريا لتركيزات متدرجة من العقاقير، وتستطيع إعطاء نتائج خلال ساعات. أدرك العلماء أن هذه الاختبارات كانت تعطي نتائج مضللة، وتسبِّب وصف الأطباء لجرعات أو عقاقير غير فعّالة للمرضى. وبسبب عدم القضاء على العدوى، يمكن أن تنتقل السلالة المقاوِمة من شخص إلى آخر.

 

  ووِفق مُعظم المقاييس، يُعد تزايد توفر المضادات الحيويَّة المُنقذة للحياة في دول العالم النّامية، أمراً إيجابياً، لكن الإفراط في إستخدامها في جميع أقطار العالم أتاح الفرصة لتطوُّر سُلالات فتّاكة ومُقاومة للأدوية، قد تُهدِّد الشعوب الفقيرة أكثر من الغنيّة. فمن الممكن شراء المُضادات الحيوية، دون الحاجة إلى وصفة طبية في عديد من دول العالم، بينما يُؤجِّج فرط إستخدام الأدوية ثورة الميكروبات المقاومة.

 

  وقامت منظمة الصحة العالمية بدق ناقوس الخطر؛ من أجل التحرك العالمي لمجابهة المشكلة، وجاء في تقرير اصدرته المنظمة أن المقاومة التي تظهرها الجراثيم للمضادات الحيوية المستخدمة في محاربتها أصبحت “خطراً عالمياً رئيسياً” للصحة العامة. وقالت المنظمة في تقريرها الذي شمل معلومات استقتها من 114 بلداً إن هذه المقاومة تحدث الآن في “كل أرجاء العالم.” وحذرت المنظمة في تقريرها من إحتمال دخول العالم في “حقبة ما بعد المضادات الحيوية” التي قد يموت فيها البشر جراء اصابتهم بالتهابات بسيطة كان بالإمكان علاجها بسهولة في العقود الماضية. وحذر التقرير من “عواقب وخيمة” ما لم تخذ اجراءات فعالة فوراً لتدارك هذا الخطر.

 

  وقد بدأ هذا العصر بالفعل في بعض البُلدان. فمثلًا في نيجيريا، ترى بعض الدّراسات أنَّ %88 من حالات العدوى بالبكتيريا العنقوديّة الذّهبيّة (Staphylococcus aureus)، لم يَعُد يُجدي علاجُها بالميثيسيلّين (methicillin)، الذي كان يوماً ما من أنجع الأدوية المُضادة لهذا النّوع من البكتيريا. وتبدو هذه المشكلة خطِرة ـ على وجه الخصوص ـ في البُلدان الناشئة اقتصادياً، المعروفة ببلدان «BRIC»، وهي: البرازيل و روسيا و الهند والصين، حسبما يرى كيث كلوجمان، عالِم الوبائيات في مؤسسة «بيل وميليندا جيتس» من سياتل في واشنطن.

 

  وللأسف، لم تتحرك لتحتل أولويّة على جدول أعمال مموِّلي البحث العلمي مقاومة المضادات الحيوية، رغم أنه ما زال هناك الكثير الذي يتعين القيام به لرفع مستوى التمويل الكلي، وتوجيهه إلى البحث العلمي؛ لإكتشاف وتطوير مضادات حيوية جديدة بصفة خاصة. ولم يتوقع العلماء توفّر أدوية جديدة، بل إنّ اضطراد مقاومة البكتيريا، والحاجة إلى استخدام هذه الأدوية باعتدال أقنعا شركات الدواء بأنّ المضادات الحيوية لا تستحق الإستثمار.

 

     “التيكسوباكتين” يقلب الموازين!

  يبدو أن ثمة ضوء ينبثق فجأة وسط الظلام ليبدد هذه المخاوف التي تهدد العالم، حيث أورد العلماء مؤخراً بعض التقدم البحثي في هذا المجال، وأن هناك مضاداً حيوياً يعطل تخليق البروتين ويثبط نمو عدة سلالات من البكتيريا المقاومة للمضادات المعروف أنها تسبب عدوى المستشفيات في طريقه للظهور. فقد استطاع “ديكون ألي” وزملاؤه بشركة “أناكور للمستحضرات الصيدلانية في بالو ألتو، كاليفورنيا، تخليق مستحضر مضاد للبكتيريا، يمنع إنتاج إنزيم ضروري لتخليق البروتين الميكروبي ومصمم لمكافحة بكتيريا سلبية الاصطباغ (Gram-negative) لها غلاف خارجي يعوق دخول المضادات الحيوية.

 

  وثبط هذا العامل نمو البكتيريا المقاومة بما في ذلك البكتيريا الزائفة الزنجارية المقاومة للأدوية المتعددة سواءً في المختبر أو في نموذج دراسي لعدوى فأر بها. خصائص المضاد الجديد للبكتيريا يسمح له بتجنب الآليات الرئيسة التي تستخدمها بكتيريا سلبية الاصطباغ لدرء هذه الأدوية. وفي تجربة سريرية، نجحت المضادات الحيوية الجديدة في التخلص من التهابات المسالك البولية لبعض المرضى، لكنها فشلت لدى مرضى آخرين، بسبب مقاومة البكتريا. يقول الباحثون أنهم يعملون لتجنب هذه المشكلة.

 

  ومن المعروف أنه قد تم اكتشاف معظم المضادات الحيوية المستخدَمة إكلينيكياً عن طريق فحص كائنات التربة الدقيقة القابلة للزراعة، وهي مورد مستنفد بشدة، ولم يتم استبداله على نحو كاف عن طريق الأساليب الصناعية. ومؤخراً، أعرب علماء أميركيون عن أملهم في التوصل إلى إكتشاف فئة جديدة من المضادات الحيوية لا تزال قيد التطوير، باستخدام إجراء مبتكر اعتبر تغييراً لقواعد اللعبة في رحلة البحث عن أدوية لمكافحة الأمراض المقاومة للعقاقير. بعد أن توصلوا إلى إبتكار مضاد حيوي يسمى “تيكسوباكتين” Teixobactin يقتل مجموعة كبيرة من البكتيريا المقاومة للأدوية، بما في ذلك العنقوديات الذهبية المقاومة للميثيسيلين (ميرسا) والبكتيريا المسببة للسل، ويقضي على مجموعة من الأمراض المهددة للحياة التي تصيب القلب و البروستاتا و المسالك البولية والبطن.

 

  وعرضت ورقة بحثية نشرت مؤخراً بدورية “Nature” بعض الأخبار الجيدة، بشأن عزل وتوصيف مضاد حيوي جديد فعال ضد مجموعة من مسبِّبات الأمراض البكتيرية، وعلى ما يبدو أنها غير متأثرة بتطور المقاومة. واستخدم كيم لويس وزملاؤه نظاماً إستُحدِثَ مؤخراً لزراعة البكتيريا في الموقع الطبيعي لبكتيريا التربة غير المستزرَعة سابقًا، وحددوا بيتا-بروتيوباكتيريوم (β-proteobacterium) من نوع Elephtheria terrae الذي ينتج ديبسي بيبتيد معروفاً باسم تيكسوباكتين. والتيكسوباكتين مضاد حيوي قوي مزدوج التأثير ونشط في الجسم الحي، ويستهدف السلائف في مسارات التخليق الحيوي بشكل منفصل لعنصرين رئيسيين من جدار الخلية البكتيرية.. البيبتيدوجليكان، وحمض الجدار الخلوي. وقد كان البحث عن طفرات مقاومة للتيكسوباكتين سلبياً، وربما كنتيجة لهذه الآلية مزدوجة التأثير.

 

  ويعتقد العلماء أن تيكسوباكتين يمكن أن يصبح سلاحاً فعالا في المعركة ضد مقاومة مضادات الميكروبات لأنه يقتل الميكروبات بعرقلة قدرتها على بناء جدرانها من الخلايا، مما يجعل من الصعب جدا على البكتيريا أن تقاوم. وتقوم نفس هذه الفكرة للمضاد الحيوي على إستكمال دور البنسلين الذي اكتشفه ألكسندر فليمنج عام 1928، وهو أول المضادات الحيوية واسعة الانتشار في الأربعينات من القرن الماضي. ومنذ ذلك الوقت تم اكتشاف أكثر من 100 مركب للمضادات الحيوية لكن لم تُكتشف سلالات جديدة منذ عام 1987.

 

  ويعمل البنسلين أيضاً عن طريق منع بناء مادة أساسية لجدار خلايا البكتيريا والمسماة “بيبتيدوجلايكين”. وتزود هذه المادة البكتيريا بشبكة حامية حول الخلية الهشة في داخلها. بينما يعتبر “تيكسوباكتين” أول فتح علمي جديد، ولا يوجد له مثيل، في مجال صناعة الأدوية وعلاج البشر، وهو أحدث اكتشافات الطب الحديث فى عام 2015 لأنه أول مضاد حيوي جديد يتم اكتشافه منذ 30 عامًا، ويرى الخبراء انه قد يكون المفتاح لضرب مقاومة البكتيريا والفيروسات.

 

  الفتح الجديد تم تحت مظلة جامعة “نورث إيسترن” فى بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة البروفيسور “كيم ليويس”، ويختلف اكتشاف “تيكسوباكتين” عن بقية المضادات الحيوية بتفرده بأسلوب جديد حيث تم اكتشافه باستعمال شريحة إلكترونية مجهزة لإنماء الميكروبات ثم عزل المركبات الكيميائية عنها. وتمكن الباحثون الأمريكيون من صناعة مضادات حيوية جديدة وفعالة ضد كل البكتيريا تقريبا بما فيها المقاومة للعقاقير، وذلك باستخدام طريقة جديدة تستخدم بكتيريا التربة فى القضاء على البكتيريا العادية.

 

  واستخدم الباحثون ميكروبات التربة خلال التجربة لإفراز موادهم المضادة لأنواع البكتيريا الأخرى والتي تشكل جزءاً من حروب البكتيريا وبعضها على البقاء وتمكنوا من إستخراج 25 مادة تصلح كمضاد بكتيريا، آخرها وأكثرها قوة وأفضلها إلى الآن مادة “تيكسوباكتين” وهى الأقوى إلى الآن والأكثر قدرة على القضاء على البكتيريا المقاومة للعقاقير كما أنها غير سامة على أنسجة الثدييات وتمت تجربته واستطاع بكفاءة القضاء على بكتيريا “MRSA” المقاومة للعقاقير والتي تشكل أكبر مشكلة فى عدوى المستشفيات وغيرها من البكتيريا الموجبة، لكنها لا تعمل على البكتيريا السالبة كالبكتيريا القولونية، لكن هناك عقاقير أخرى تعمل على البكتيريا السالبة. ولم يبحث الاكتشاف الأخير في التربة، وبدلاً من زراعة هذه الميكروبات في المختبر، استخدم العلماء جهاز iChip التي يُمكن من كشف الميكروبات في البيئة الخاصة بها عند وضعه في الأرض.

 

    “الكأس المقدسة” و”عقاقير من الوحل”

  وسرعان ما أدى هذا النهج الجديد الذي تم عن طريقه اكتشاف المضاد الحيوي الجديد “تيكسوباكتين” من خلال غربلة ميكروبات التربة إلى إحداث ثورة جديدة في الفكر العلمي للعلماء العاملين في هذا المجال. ودفع هذا الاكتشاف فريق بجامعة روكفيلر إلى دراسة الوحل في كل بلدان العالم.

 

  ودعا العلماء الأمريكيون الناس في شتى أرجاء العالم إلى المشاركة في حملة للتنقيب في تربة الأرض عن مركبات يمكن تحويلها إلى عقاقير دوائية جديدة. وبدأ العلماء بالفعل تحليل عينات مأخوذة من شواطئ وغابات وصحراوات في شتى أرجاء خمس قارات، لكنهم بحاجة إلى مساعدة من أجل الحصول على عينات أخرى. وقال العلماء على موقعهم الإلكتروني الذي يحمل اسم “عقاقير من الوحل” إن “العالم مكان كبير ولا نستطيع أن نصل إلى جميع أركانه.” وأضافوا “نحتاج إلى بعض المساعدة في الحصول على عينات من التربة من شتى أرجاء العالم. فإن كنتم من المهتمين بذلك فعليكم التسجيل.”

  

  ويرغب العلماء في الحصول على معلومات من المواطنين في جميع الدول لاسيما تلك المعلومات الخاصة بالحصول على عينات من بيئات فريدة غير مكتشفة من قبل مثل الكهوف والجزر وينابيع المياه الساخنة. ويقول العلماء إن مثل هذه الأماكن قد تحتوي على مركب يطلق عليه “الكأس المقدسة” والذي تنتجه بكتيريا من تربة الأرض تعتبر بوجه عام من المركبات الجديدة في العلوم.

 

  وقال الباحث شين برادي لبي بي سي: “لا نرغب في مئات الآلاف من العينات. فكل ما نرغب فيه حقاً هو الحصول على ألفي عينة من بعض الأماكن الفريدة التي قد تحتوي على بعض المكونات المهمة بالفعل. لذا نحن لا نبحث عن عينات من تربة حديقتك، على الرغم من أنها تحتوي على الكثير من البكتيريا أيضاً.” وأضاف أن فريق عمله مهتم أيضاً بالحصول على معلومات من المدارس والكليات التي قد ترغب في المشاركة في المشروع.

 

  وقد توصل برادي وزملاؤه إلى مركبات قد تمثل مشتقات أفضل لعقاقير موجودة بالفعل. فعن طريق عينة مستخرجة من ينبوع ماء ساخن في نيومكسيكو، توصل العلماء إلى مركبات شبيهة بتلك المركبات التي تنتج “إيبوكسمايسين”، وهو جزيء طبيعي يستخدم كنقطة بداية لعدد من عقاقير مرض السرطان. كما توصل العلماء من خلال عينات من البرازيل إلى جينات وراثية قد تتيح إصدارات جديدة لعقار آخر مهم لعلاج مرض السرطان يعرف باسم “بليومايسين”.

 

  وتستخرج العديد من العقاقير التي نستخدمها اليوم من الوحل مثل المضادات الحيوية كالبنسلين وفانسومايسين. وقد تتيح البكتيريا مجموعة رائعة من الجزيئات الجديدة، التي قد يصبح العديد منها عقاقير دوائية جديدة، حسبما قال فريق البحث. وأضافوا أن ما يعادل سعة ملعقة شاي من التربة يحتوي على عدد كبير من الميكروبات يفوق تعداد البشر على الأرض.

 

  وسوف يبدأ العلماء في تحديد بؤر في شتى أرجاء الأرض يمكن العثور فيها على بكتيريا التربة. وأضاف برادي “التنوع الفريد الذي عثرنا عليه يعد خطوة أولى تجاه حلمنا لصياغة خارطة للعالم تضم المركبات الكيميائية التي يمكن إنتاجها عن طريق الميكروبات، أشبه بخرائط غوغل والخرائط الأخرى لجغرافيا العالم.”

 

  وفي تربة من جنوب غرب أمريكا يأمل العلماء في التوصل إلى مركبات شبيهة بعقار “ريفامايسين” الذي قد يساعد في علاج مرض السل. كما ينقب علماء آخرون في قاع البحار من أجل الكشف عن جزيئات محتملة لعقاقير. وحلل مارسيل جاسبار، بجامعة أبردين، ما يربو على 1500 سلالة بكتيرية من قاع المحيط، بعضها يعود لملايين السنين، وقال إن 15 سلالة تبشر بنتائج واعدة. وأضاف “بدأ الأمر يحظى بإهتمام بالغ. وقريبا سنذهب إلى أتاكاما قبالة سواحل تشيلي للبحث هناك. إنها بيئة فريدة. على عمق 8000 متر وتحتوي على نسب عالية من المادة العضوية.”

 

  ويعتبر هذا النهج فتحاً جديداً لأنه طريقة فعالة لاكتشاف عوائل جديدة لعدد كبير من المضادات القاتلة والمفاجئة للبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، والتي يتوقع أن يتم اكتشافها مستقبلاً ويتم بحث أثرها. انه بارقة أمل وحياة جديدة لملايين الناس من حول العالم وسيكون له دور كبير في تخفيف ألم المرضى وتقليل فترة العلاج التقليدية.

تتسبب المقاومة للمضادات الحيوية في تعقيد علاج العديد من حالات العدوى البكتيرية؛ مما يؤدي إلى إرتفاع معدل الوفيات وزيادة تكاليف الرعاية الصحية عالمياً. ومن الموثق علمياً أن زيادة مقاومة سلالات الميكروبات المعدية للمضادات الميكروبية أصبحت من أهم المشكلات الطبية التي يلاحظها الأطباء كمسبب رئيسي في فشل علاج الالتهابات الحادة التي يصاب بها المريض داخل وخارج المستشفيات، كما تؤدي إلى زيادة نسبة الوفيات بين المرضى، وتزيد من كلفة علاج المرضى إلى عدة أضعاف.

   

  ومقاومة المضادّات الحيويّة هي قدرة الكائن الحيّ الدّقيق على تحمّل مفعول المضاد الحيوي. وهي نوع خاصّ من أنواع مقاومة الأدوية. وتنشأ مقاومة المضادّات الحيويّة عن طريق الإصطفاء الطبيعي بواسطة الطفرات العشوائية، غير أنهُ بالإمكان هندستها بتطبيق ضغط نشوئي على مجموعة الكائنات الحيّة الدقيقة، وعندما يتم تكوّن الجين الجديد، تستطيع البكتيريا تحويل المعلومات الوراثيّة بطريقة أفقية بواسطة تبادل البلازميد (الحمض النّووي الدّائريّ).

  

  وظلت المضادات الحيوية تتعرض للمقاومة، وقد حذَّر ألكسندر فليمنج ـ مكتشِف البنسلين ـ من إمكانية حدوث ذلك لدى تسلمه جائزة «نوبل» في عام 1945. أما حالياً فالمضادات الحيوية التي إعتادت أن تكون علاجات معجزة مثل البنسلين والاريثرومايسين هي الآن أقل فعالية لأن البكتيريا أصبحت أكثر مقاومة. وكان الأطباء يستخدمون الأدوية الأكثر فاعلية باعتدال، فالترشيد الحذر في استخدام “ڤانكومايسين” مثلاً ـ وهو مضاد حيوي قوي ـ أدى إلى تأخير نشوء مقاومة البكتيريا ضده لثلاثة عقود. ويعتقد الباحثون أن الإستخدام الحصيف (الذي لا خلل فيه) للمضادات الحيوية سيحافظ على فاعلية الملاذ الأخير الباقي منها.

 

  وبيّنت عدّة دراسات أنّ طريقة إستعمال المضادات الحيوية تؤثّر بصفة كبيرة على تطوّر عدد الكائنات الحيّة الدّقيقة المقاوِمة. ويسرّع فرط إستعمال المضادات الحيوية ذات الطيف الواسع، مثل سيفالوسبورين، عمليّة تطوّر مقاومة المثيسلين. وهناك عوامل أخرى تتمثّل في التّشخيص الطّبّي غير الدّقيق، وصف الطّبيب أدوية غير ضروريّة، والإستعمال غير المناسب للمضادّات الحيويّة من طرف المريض، إلى جانب إستعمال المضادّات الحيويّة كموادّ إضافيّة لطعام المواشي لتشجيع نموّها.

 

    آليّة مقاومة المضادّات الحيويّة

  تتمّ مقاومة المضادّات الحيويّة عبر عدة طرق مثل تثبيط أو تغيير المضادّ الحيويّ: مثل التّثبيط الإنزيمي للبنسلين جPenicillin G عند بعض البكتيريا المقاومة للبنسلين عن طريق تصنيع بيتا لكتاميز. و تغيير موقع الهدف (موقع فعاليّة المضادّ الحيويّ): مثل تغيير موقع فعاليّة البنسلين PBP  – عند نوع من البكتيريا يدعى العنقوديات الذهبية المقاومة للمثسلين  MRSA، كذلك عند بكتيريا أخرى مقاومة للبنسلين. وتغيير الطّريق الأيضيّ: بارا أمينو بنزويك أسيد PABA هو عامل مهمّ لصنع حمض الفوليك والأحماض النّوويّة لدى البكتيريا، يمكن تثبيط هذا العامل عن طريق السّلفوناميد. غير أنّ بعض البكتيريا المقاومة للسّلفونميد تستغني عن هذا العامل الأساسيّ عن طريق استعمال حمض الفوليك الجاهز (بأخذه مباشرة من محيطها مثلا)، تماما مثل الخلايا الحيوانيّة. والتّقليل من تراكم المضادّ الحيويّ: عن طريق التّقليل من نفاذيّة المضادّ الحيويّ إلى داخل الخليّة و/أو تسريع التّدفّق النّشط (الضّخّ إلى المحيط) للأدوية عبر الغشاء الخلويّ البكتيريّ.

  

  ويُعَدّ أحد أسباب الإنتشار السريع جداً للسلالات البكتيرية المقاوِمة هو صعوبة إكتشافها. فمعظم مختبرات الأحياء المجهرية الإكلينيكية لم تعد تبذل جهداً لتحديد العقاقير التي تؤثر فيها، وعوضاً عن ذلك هناك أنظمة آلية تُعَرِّض البكتيريا لتركيزات متدرجة من العقاقير، وتستطيع إعطاء نتائج خلال ساعات. أدرك العلماء أن هذه الاختبارات كانت تعطي نتائج مضللة، وتسبِّب وصف الأطباء لجرعات أو عقاقير غير فعّالة للمرضى. وبسبب عدم القضاء على العدوى، يمكن أن تنتقل السلالة المقاوِمة من شخص إلى آخر.

 

  ووِفق مُعظم المقاييس، يُعد تزايد توفر المضادات الحيويَّة المُنقذة للحياة في دول العالم النّامية، أمراً إيجابياً، لكن الإفراط في إستخدامها في جميع أقطار العالم أتاح الفرصة لتطوُّر سُلالات فتّاكة ومُقاومة للأدوية، قد تُهدِّد الشعوب الفقيرة أكثر من الغنيّة. فمن الممكن شراء المُضادات الحيوية، دون الحاجة إلى وصفة طبية في عديد من دول العالم، بينما يُؤجِّج فرط إستخدام الأدوية ثورة الميكروبات المقاومة.

 

  وقامت منظمة الصحة العالمية بدق ناقوس الخطر؛ من أجل التحرك العالمي لمجابهة المشكلة، وجاء في تقرير اصدرته المنظمة أن المقاومة التي تظهرها الجراثيم للمضادات الحيوية المستخدمة في محاربتها أصبحت “خطراً عالمياً رئيسياً” للصحة العامة. وقالت المنظمة في تقريرها الذي شمل معلومات استقتها من 114 بلداً إن هذه المقاومة تحدث الآن في “كل أرجاء العالم.” وحذرت المنظمة في تقريرها من إحتمال دخول العالم في “حقبة ما بعد المضادات الحيوية” التي قد يموت فيها البشر جراء اصابتهم بالتهابات بسيطة كان بالإمكان علاجها بسهولة في العقود الماضية. وحذر التقرير من “عواقب وخيمة” ما لم تخذ اجراءات فعالة فوراً لتدارك هذا الخطر.

 

  وقد بدأ هذا العصر بالفعل في بعض البُلدان. فمثلًا في نيجيريا، ترى بعض الدّراسات أنَّ %88 من حالات العدوى بالبكتيريا العنقوديّة الذّهبيّة (Staphylococcus aureus)، لم يَعُد يُجدي علاجُها بالميثيسيلّين (methicillin)، الذي كان يوماً ما من أنجع الأدوية المُضادة لهذا النّوع من البكتيريا. وتبدو هذه المشكلة خطِرة ـ على وجه الخصوص ـ في البُلدان الناشئة اقتصادياً، المعروفة ببلدان «BRIC»، وهي: البرازيل و روسيا و الهند والصين، حسبما يرى كيث كلوجمان، عالِم الوبائيات في مؤسسة «بيل وميليندا جيتس» من سياتل في واشنطن.

 

  وللأسف، لم تتحرك لتحتل أولويّة على جدول أعمال مموِّلي البحث العلمي مقاومة المضادات الحيوية، رغم أنه ما زال هناك الكثير الذي يتعين القيام به لرفع مستوى التمويل الكلي، وتوجيهه إلى البحث العلمي؛ لإكتشاف وتطوير مضادات حيوية جديدة بصفة خاصة. ولم يتوقع العلماء توفّر أدوية جديدة، بل إنّ اضطراد مقاومة البكتيريا، والحاجة إلى استخدام هذه الأدوية باعتدال أقنعا شركات الدواء بأنّ المضادات الحيوية لا تستحق الإستثمار.

 

     “التيكسوباكتين” يقلب الموازين!

  يبدو أن ثمة ضوء ينبثق فجأة وسط الظلام ليبدد هذه المخاوف التي تهدد العالم، حيث أورد العلماء مؤخراً بعض التقدم البحثي في هذا المجال، وأن هناك مضاداً حيوياً يعطل تخليق البروتين ويثبط نمو عدة سلالات من البكتيريا المقاومة للمضادات المعروف أنها تسبب عدوى المستشفيات في طريقه للظهور. فقد استطاع “ديكون ألي” وزملاؤه بشركة “أناكور للمستحضرات الصيدلانية في بالو ألتو، كاليفورنيا، تخليق مستحضر مضاد للبكتيريا، يمنع إنتاج إنزيم ضروري لتخليق البروتين الميكروبي ومصمم لمكافحة بكتيريا سلبية الاصطباغ (Gram-negative) لها غلاف خارجي يعوق دخول المضادات الحيوية.

 

  وثبط هذا العامل نمو البكتيريا المقاومة بما في ذلك البكتيريا الزائفة الزنجارية المقاومة للأدوية المتعددة سواءً في المختبر أو في نموذج دراسي لعدوى فأر بها. خصائص المضاد الجديد للبكتيريا يسمح له بتجنب الآليات الرئيسة التي تستخدمها بكتيريا سلبية الاصطباغ لدرء هذه الأدوية. وفي تجربة سريرية، نجحت المضادات الحيوية الجديدة في التخلص من التهابات المسالك البولية لبعض المرضى، لكنها فشلت لدى مرضى آخرين، بسبب مقاومة البكتريا. يقول الباحثون أنهم يعملون لتجنب هذه المشكلة.

 

  ومن المعروف أنه قد تم اكتشاف معظم المضادات الحيوية المستخدَمة إكلينيكياً عن طريق فحص كائنات التربة الدقيقة القابلة للزراعة، وهي مورد مستنفد بشدة، ولم يتم استبداله على نحو كاف عن طريق الأساليب الصناعية. ومؤخراً، أعرب علماء أميركيون عن أملهم في التوصل إلى إكتشاف فئة جديدة من المضادات الحيوية لا تزال قيد التطوير، باستخدام إجراء مبتكر اعتبر تغييراً لقواعد اللعبة في رحلة البحث عن أدوية لمكافحة الأمراض المقاومة للعقاقير. بعد أن توصلوا إلى إبتكار مضاد حيوي يسمى “تيكسوباكتين” Teixobactin يقتل مجموعة كبيرة من البكتيريا المقاومة للأدوية، بما في ذلك العنقوديات الذهبية المقاومة للميثيسيلين (ميرسا) والبكتيريا المسببة للسل، ويقضي على مجموعة من الأمراض المهددة للحياة التي تصيب القلب و البروستاتا و المسالك البولية والبطن.

 

  وعرضت ورقة بحثية نشرت مؤخراً بدورية “Nature” بعض الأخبار الجيدة، بشأن عزل وتوصيف مضاد حيوي جديد فعال ضد مجموعة من مسبِّبات الأمراض البكتيرية، وعلى ما يبدو أنها غير متأثرة بتطور المقاومة. واستخدم كيم لويس وزملاؤه نظاماً إستُحدِثَ مؤخراً لزراعة البكتيريا في الموقع الطبيعي لبكتيريا التربة غير المستزرَعة سابقًا، وحددوا بيتا-بروتيوباكتيريوم (β-proteobacterium) من نوع Elephtheria terrae الذي ينتج ديبسي بيبتيد معروفاً باسم تيكسوباكتين. والتيكسوباكتين مضاد حيوي قوي مزدوج التأثير ونشط في الجسم الحي، ويستهدف السلائف في مسارات التخليق الحيوي بشكل منفصل لعنصرين رئيسيين من جدار الخلية البكتيرية.. البيبتيدوجليكان، وحمض الجدار الخلوي. وقد كان البحث عن طفرات مقاومة للتيكسوباكتين سلبياً، وربما كنتيجة لهذه الآلية مزدوجة التأثير.

 

  ويعتقد العلماء أن تيكسوباكتين يمكن أن يصبح سلاحاً فعالا في المعركة ضد مقاومة مضادات الميكروبات لأنه يقتل الميكروبات بعرقلة قدرتها على بناء جدرانها من الخلايا، مما يجعل من الصعب جدا على البكتيريا أن تقاوم. وتقوم نفس هذه الفكرة للمضاد الحيوي على إستكمال دور البنسلين الذي اكتشفه ألكسندر فليمنج عام 1928، وهو أول المضادات الحيوية واسعة الانتشار في الأربعينات من القرن الماضي. ومنذ ذلك الوقت تم اكتشاف أكثر من 100 مركب للمضادات الحيوية لكن لم تُكتشف سلالات جديدة منذ عام 1987.

 

  ويعمل البنسلين أيضاً عن طريق منع بناء مادة أساسية لجدار خلايا البكتيريا والمسماة “بيبتيدوجلايكين”. وتزود هذه المادة البكتيريا بشبكة حامية حول الخلية الهشة في داخلها. بينما يعتبر “تيكسوباكتين” أول فتح علمي جديد، ولا يوجد له مثيل، في مجال صناعة الأدوية وعلاج البشر، وهو أحدث اكتشافات الطب الحديث فى عام 2015 لأنه أول مضاد حيوي جديد يتم اكتشافه منذ 30 عامًا، ويرى الخبراء انه قد يكون المفتاح لضرب مقاومة البكتيريا والفيروسات.

 

  الفتح الجديد تم تحت مظلة جامعة “نورث إيسترن” فى بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة البروفيسور “كيم ليويس”، ويختلف اكتشاف “تيكسوباكتين” عن بقية المضادات الحيوية بتفرده بأسلوب جديد حيث تم اكتشافه باستعمال شريحة إلكترونية مجهزة لإنماء الميكروبات ثم عزل المركبات الكيميائية عنها. وتمكن الباحثون الأمريكيون من صناعة مضادات حيوية جديدة وفعالة ضد كل البكتيريا تقريبا بما فيها المقاومة للعقاقير، وذلك باستخدام طريقة جديدة تستخدم بكتيريا التربة فى القضاء على البكتيريا العادية.

 

  واستخدم الباحثون ميكروبات التربة خلال التجربة لإفراز موادهم المضادة لأنواع البكتيريا الأخرى والتي تشكل جزءاً من حروب البكتيريا وبعضها على البقاء وتمكنوا من إستخراج 25 مادة تصلح كمضاد بكتيريا، آخرها وأكثرها قوة وأفضلها إلى الآن مادة “تيكسوباكتين” وهى الأقوى إلى الآن والأكثر قدرة على القضاء على البكتيريا المقاومة للعقاقير كما أنها غير سامة على أنسجة الثدييات وتمت تجربته واستطاع بكفاءة القضاء على بكتيريا “MRSA” المقاومة للعقاقير والتي تشكل أكبر مشكلة فى عدوى المستشفيات وغيرها من البكتيريا الموجبة، لكنها لا تعمل على البكتيريا السالبة كالبكتيريا القولونية، لكن هناك عقاقير أخرى تعمل على البكتيريا السالبة. ولم يبحث الاكتشاف الأخير في التربة، وبدلاً من زراعة هذه الميكروبات في المختبر، استخدم العلماء جهاز iChip التي يُمكن من كشف الميكروبات في البيئة الخاصة بها عند وضعه في الأرض.

 

    “الكأس المقدسة” و”عقاقير من الوحل”

  وسرعان ما أدى هذا النهج الجديد الذي تم عن طريقه اكتشاف المضاد الحيوي الجديد “تيكسوباكتين” من خلال غربلة ميكروبات التربة إلى إحداث ثورة جديدة في الفكر العلمي للعلماء العاملين في هذا المجال. ودفع هذا الاكتشاف فريق بجامعة روكفيلر إلى دراسة الوحل في كل بلدان العالم.

 

  ودعا العلماء الأمريكيون الناس في شتى أرجاء العالم إلى المشاركة في حملة للتنقيب في تربة الأرض عن مركبات يمكن تحويلها إلى عقاقير دوائية جديدة. وبدأ العلماء بالفعل تحليل عينات مأخوذة من شواطئ وغابات وصحراوات في شتى أرجاء خمس قارات، لكنهم بحاجة إلى مساعدة من أجل الحصول على عينات أخرى. وقال العلماء على موقعهم الإلكتروني الذي يحمل اسم “عقاقير من الوحل” إن “العالم مكان كبير ولا نستطيع أن نصل إلى جميع أركانه.” وأضافوا “نحتاج إلى بعض المساعدة في الحصول على عينات من التربة من شتى أرجاء العالم. فإن كنتم من المهتمين بذلك فعليكم التسجيل.”

  

  ويرغب العلماء في الحصول على معلومات من المواطنين في جميع الدول لاسيما تلك المعلومات الخاصة بالحصول على عينات من بيئات فريدة غير مكتشفة من قبل مثل الكهوف والجزر وينابيع المياه الساخنة. ويقول العلماء إن مثل هذه الأماكن قد تحتوي على مركب يطلق عليه “الكأس المقدسة” والذي تنتجه بكتيريا من تربة الأرض تعتبر بوجه عام من المركبات الجديدة في العلوم.

 

  وقال الباحث شين برادي لبي بي سي: “لا نرغب في مئات الآلاف من العينات. فكل ما نرغب فيه حقاً هو الحصول على ألفي عينة من بعض الأماكن الفريدة التي قد تحتوي على بعض المكونات المهمة بالفعل. لذا نحن لا نبحث عن عينات من تربة حديقتك، على الرغم من أنها تحتوي على الكثير من البكتيريا أيضاً.” وأضاف أن فريق عمله مهتم أيضاً بالحصول على معلومات من المدارس والكليات التي قد ترغب في المشاركة في المشروع.

 

  وقد توصل برادي وزملاؤه إلى مركبات قد تمثل مشتقات أفضل لعقاقير موجودة بالفعل. فعن طريق عينة مستخرجة من ينبوع ماء ساخن في نيومكسيكو، توصل العلماء إلى مركبات شبيهة بتلك المركبات التي تنتج “إيبوكسمايسين”، وهو جزيء طبيعي يستخدم كنقطة بداية لعدد من عقاقير مرض السرطان. كما توصل العلماء من خلال عينات من البرازيل إلى جينات وراثية قد تتيح إصدارات جديدة لعقار آخر مهم لعلاج مرض السرطان يعرف باسم “بليومايسين”.

 

  وتستخرج العديد من العقاقير التي نستخدمها اليوم من الوحل مثل المضادات الحيوية كالبنسلين وفانسومايسين. وقد تتيح البكتيريا مجموعة رائعة من الجزيئات الجديدة، التي قد يصبح العديد منها عقاقير دوائية جديدة، حسبما قال فريق البحث. وأضافوا أن ما يعادل سعة ملعقة شاي من التربة يحتوي على عدد كبير من الميكروبات يفوق تعداد البشر على الأرض.

 

  وسوف يبدأ العلماء في تحديد بؤر في شتى أرجاء الأرض يمكن العثور فيها على بكتيريا التربة. وأضاف برادي “التنوع الفريد الذي عثرنا عليه يعد خطوة أولى تجاه حلمنا لصياغة خارطة للعالم تضم المركبات الكيميائية التي يمكن إنتاجها عن طريق الميكروبات، أشبه بخرائط غوغل والخرائط الأخرى لجغرافيا العالم.”

 

  وفي تربة من جنوب غرب أمريكا يأمل العلماء في التوصل إلى مركبات شبيهة بعقار “ريفامايسين” الذي قد يساعد في علاج مرض السل. كما ينقب علماء آخرون في قاع البحار من أجل الكشف عن جزيئات محتملة لعقاقير. وحلل مارسيل جاسبار، بجامعة أبردين، ما يربو على 1500 سلالة بكتيرية من قاع المحيط، بعضها يعود لملايين السنين، وقال إن 15 سلالة تبشر بنتائج واعدة. وأضاف “بدأ الأمر يحظى بإهتمام بالغ. وقريبا سنذهب إلى أتاكاما قبالة سواحل تشيلي للبحث هناك. إنها بيئة فريدة. على عمق 8000 متر وتحتوي على نسب عالية من المادة العضوية.”

 

  ويعتبر هذا النهج فتحاً جديداً لأنه طريقة فعالة لاكتشاف عوائل جديدة لعدد كبير من المضادات القاتلة والمفاجئة للبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، والتي يتوقع أن يتم اكتشافها مستقبلاً ويتم بحث أثرها. انه بارقة أمل وحياة جديدة لملايين الناس من حول العالم وسيكون له دور كبير في تخفيف ألم المرضى وتقليل فترة العلاج التقليدية.