ميكروبات الجهاز الهضمي وأثرها على مرض باركنسون

تأثير الدماغ والجهاز العصبي المعوي على الجهاز الهضمي معروف، لكن دراسات حديثة تشير إلى تأثير الميكروبات المعوية على الجهاز العصبي المعوي والمركزي وذلك عن طريق افرازاتها، وربطها بحالات الاكتئاب والقلق والتوتر، بل تشير بعض الدراسات أيضا إلى دور محتمل لهذه الميكروبات في تطوير الإصابة بالأمراض العصبية مثل باركنسون والزهايمر(4).

وحسب تلك الدارسات فإن هذه الميكروبات تقوم بإنتاج مجموعة من المركبات تؤثر على النواقل العصبية والخلايا المناعية (1&5)، وبهذا فهي تساهم في اتزان الجهاز العصبي المعوي ومناعته، ولكن قد تكون أيضاً مسببة للأمراض عندما تتغير”التركيبة السكانية“ لهذه الميكروبات في الأمعاء، إما لعوامل خارجية مثل نوع الطعام أو الإصابة بفيروس أو جرثومة أو عوامل بيئية، أو لعوامل داخلية مثل التوتر والقلق والحالات العاطفية المختلفة من تأثيرات المخ والجهاز العصبي. أغلب النتائج توصلت بناء على التجارب المخبرية وتحتاج إلى دراسات أخرى مكثفة لمعرفة مدى تأثيرها والكيفية المحددة لكل حالة تسببها. وقد تواجه صعوبات بسبب المتغيرات الكثيرة التي تؤثر على بيئة هذه الميكروبات مثل الحمية الغذائية، الجنس، العمر، المتغيرات الجينية (1).

مرض باركنسون (Parkinson disease) من الأمراض العصبية التي تصيب كبار السن عن طريق انحلال الخلايا العصبية الحركية. ومن أعراضه: التصلب العضلي، الرعشة، ضعف واضطرابات الحركة (2,4,5). السبب الرئيسي للمرض غير معروف حتى الآن، لكن بحسب المجلة العلمية (Scientific American) فإن الأطباء لاحظوا أنّ الإمساك هو أحد الأعراض الأولية للمرض وتظهر في نحو نصف المصابين به، إلا أن الدراسات الأولية كانت تركز على الدماغ خاصة الخلايا العصبية المنتجة للدوبامين المرتبطة بالوظائف الحركية للجسم (7). كما كانت تشير أيضاً لأسباب جينية، إلا انها تمثل أقل من 10% مقارنة بالحالات الأخرى الغير معروفة (5). والآن، حسب الدارسات الحديثة قد يكون لهذ الميكروبات دوراً هاماً أيضاً في نشأة وتقدم المرض.

يتمثل تأثير الميكروبات عن طريق تأثيرها على الجهاز العصبي المعوي المسؤول عن التحكم في وظائف الأمعاء وتأثيرها على الخلايا الدبقية الصغيرة المسؤولة عن الاستجابة المناعية بالجهاز العصبي المركزي. ركز العلماء على خلل في التفاف البروتين الألفا سينيوكلين (α-synuclein) مكوناً تكتلات تسبب خللاً للنواقل العصبية في الجهاز العصبي المعوي والتهابات حادة تصل إلى الدماغ نتيجة تفاعلها مع الخلايا الدبقية التي بدورها أيضاً تزيد من حدة الالتهاب مسببة تقدم المرض (2,3,5,6). الطريقة المحددة لنشأة البروتين وتفاعلاته معقدة لكن انتقاله قد يكون معروفا، فبحسب فرضية هيكو براك عالم التشريح العصبي بجامعة أولم في ألمانيا فإن تراكم البروتين يبدأ من الأمعاء والجهاز العصبي المعوي ثم ينتقل عن طريق العصب المبهم (vagus nerve) إلى الدماغ مسببا المرض (2,3,5,7). هذه الفرضية تستند على ملاحظته بالتعاون مع زملائه لأجسام لوري (او تكتلات الألفا سَينيوكلين) في عينات المرضى المتوفين المصابين بالمرض(7). كما تستند ايضاً على التجارب المخبرية للقوارض التي رصدت معدلات عالية من البروتين في العصب المبهم بعد حقنها بجدار المعدة (5)، والدراسات البشرية التي قام بها سفنسون (Svensson) وزملائه مفادها أن من تعرضوا لعملية جراحية سابقاً لاستئصال جزئي أو كلي للعصب تقل لديهم معدلات الإصابة بالمرض مقارنة بالآخرين (4).

اذاً، ما الذي يسبب تراكم هذا البروتين؟ قد يكون لألفا سينيوكلين في القناة المعوية دور في محاربة المسببات المرضية كما تشير دراسة الأستاذ بجامعة جورج تاون مايكل زاسلوف وزملائه بإيجاد البروتين في الأطفال المصابين بعدوى نوروفيروس (norovirus: فيروس يسبب التهاب معدي ومعوي) وتنشيطها للخلايا للمناعية. كما تقترح دراسة أخرى لعالِم الأعصاب بجامعة لويسفيل روبرت فريدلاند أن البكتيريا تنتج ألياف بروتينية صلبة تلتف حول البروتينات المجاورة لها بشكل خاطئ بطريقة تشبه البريونات المسببة لمرض جنون البقر (7).

هناك طريقة أخرى عدا البروتينات لنشأة المرض اقترحها عالم الميكروبيولوجي بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا ساركيس مازمانيان مفادها الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة (SCFA‘s) الناتجة عن عمليات هضم وتحليل الميكروبات للأطعمة قد تؤثر على الخلايا الدبقية الصغيرة. هذه المواد تنتقل إما عبر العصب المبهم أو بطرق أخرى مثل مجرى الدم (2,5,6,7). لكن الأمر مازال في بدايته.

ان العلاج الحالي للمرض يهدف لتبطيء تطوره وتخفيف حدة الأعراض. والتشخيص يكون بعد ظهور الأعراض الحركية والتي تكون الأعصاب قد تضررت حينها (5).

ما يزال الموضوع قيد البحث ولكنه قد يفتح لنا أبواباً لابتكار طرقاً جديدة لفحص المرض وعلاجه. مثل الشركة انترين التي ماتزال تعمل على اختبار مركب جديد يعمل لتبطيئ تكتلات الألفا سَينيوكلين في الأمعاء بهدف تقليل حدة الأعراض وآملين ايضاً استهداف الأسباب الأولية للمرض لعلاجها أو منعها (7).

الشكل 1: طريقة مبسطة تشرح دور الميكروبات بمرض الباركنسونش

المصدر: http://www.arsco.org/article-detail-1318-2-0