بكتيريا بجينوم اصطناعي معاد الترميز

استطاع العلماء تخليق حمضاً نووياً بالكامل لكائن حي، وربما يشكل هذا معلماً فارقاً في مجال البيولوجيا الاصطناعية، كما قال الخبراء.

أفاد باحثون في جامعة كامبريدج يوم الأربعاء (15 مايو/أيار) أنهم قد أعادوا كتابة الحمض النووي لبكتيريا الإشريكية القولونية، وصنعوا جينوماً اصطناعياً كاملاً يحتوي على حمض نووي “معاد الترميز”، أكبر بأربع مرات، وأكثر تعقيدا بكثير من أي مخلوق تم تصنيعه في السابق.

أكد العلماء أن البكتيريا مازالت على قيد الحياة، ولكنها تتكاثر ببطء على الرغم من شكلها غير الطبيعي. وتعمل خلاياها وفقا لمجموعة جديدة من القواعد البيولوجية، وتنتج بروتينات مألوفة تحتوي على شفرة جينية أعيد بناؤها بالكامل.

معلم بارز

قد يؤدي هذا الإنجاز التاريخي في يوم ما إلى إنتاج كائنات حية جديدة، بصفات مميزة، أو أدوية جديدة، وجزيئات ثمينة أخرى، ويجعل هذه الكائنات تعمل كمصانع حية. وقد تقدم هذه البكتيريا الاصطناعية أيضا أدلة حول كيفية ظهور الشفرة الجينية في التاريخ المبكر لبدء الحياة على الكرة الأرضية.

قال توم إليس، مدير مركز البيولوجيا الاصطناعية في جامعة إمبريال كوليدج في لندن، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة “إنه معلم بارز”.. “لم يقم أحد بأي شيء مثل ذلك من حيث الحجم أو من حيث عدد التغييرات من قبل.”

قاد الدراسة الجديدة جيسون تشين، عالم الأحياء الجزيئي بجامعة كامبريدج في بريطانيا، الذي أراد أن يفهم لماذا ترمز كل الكائنات الحية جميع المعلومات الوراثية بنفس الطريقة المحيرة.

ومن المعروف أنه يتم تفصيل كل جين في جينوم أي كائن حي بأبجدية مكونة من أربعة قواعد، وقد يصنع الجين من آلاف من هذه القواعد. وتوجه الجينات الخلايا للاختيار من بين عشرين من الأحماض الأمينية، وهي لبنات بناء البروتينات بكل خلية. يتم إنتاج كل حمض أميني في الخلية بواسطة ثلاث قواعد مرتبة في شريط الحمض النووي. ويعرف كل من هذه الثلاثيات باسم الكودون.

مثل العديد من العلماء، كان تشين مفتونا بكل هذا التكرار. هل كانت كل هذه القطع من الحمض النووي ضرورية للحياة؟ وقال تشين: “لأن الحياة تستخدم 64 رمزا على المستوى الكوني، فلم يكن لدينا في الحقيقة إجابة”.. لذلك توجهنا لتخليق كائن حي يمكنه تسليط بعض الضوء للإجابة على هذا السؤال.”

تحدي رهيب

بعد التجارب الأولية، صمم تشين وزملاؤه نسخة معدلة من جينوم بكتريا الإشريكية القولونية على جهاز كمبيوتر لا يتطلب سوى 61 كودونا لإنتاج جميع الأحماض الأمينية التي يحتاجها الكائن الحي. 

في الواقع، عالج الباحثون الجينوم كما لو كان ملفا نصيا عملاقا، يؤدي وظيفة البحث والاستبدال في أكثر من 18000 موقع. وأصبح لدى الباحثين مخطط لجينوم جديد يبلغ طوله أربعة ملايين زوج قاعدة. وتمكنوا من تصنيع الحمض النووي في المختبر، ولكن إدخاله في البكتيريا واستبدال الجينات الطبيعية بالاصطناعية كان تحديا رهيبا.

كان الجينوم طويلا جدا ومعقدا للغاية بحيث يتعذر إدخاله في خلية في محاولة واحدة. بدلا من ذلك، قام الباحثون ببناء قطع صغيرة واستبدلوها قطعة بقطعة من جينوم بكتريا الإشريكية القولونية. بحلول الوقت، لم تبقي هناك أي قطعة طبيعية.

جدار ناري وراثي

قبل تسع سنوات، بنى الباحثون جينوما اصطناعيا يبلغ طوله مليون زوج قاعدة. يبلغ طول جينوم الإشريكية القولونية الجديد، المنشور في مجلة “نيتشر جينتيكس”، أربعة ملايين زوج قاعدة، وكان لابد من تشييده بأساليب جديدة تماما.

تنمو البكتيريا المعدلة ببطء كبير مقارنة بالبكتريا العادية، وتطور خلايا عصوية أطول، لكنها مازالت حية. ويأمل تشين أن يزيل المزيد من الكودونات ويضغط الشفرة الوراثية بشكل أكبر. ويريد أن يرى بالضبط كيف يمكن أن يكون الكود الوراثي مبسطا بينما لا يزال يدعم الحياة.

يعد فريق كامبريدج مجرد سباق من بين العديد من السباقات في السنوات الأخيرة لبناء جينومات اصطناعية. وقائمة الاستخدامات المحتملة طويلة. أحد الاحتمالات الجذابة هي عدم تمكن الفيروسات من غزو الخلايا المعاد ترميزها، حيث تستخدم العديد من الشركات الميكروبات المهندسة وراثيا لصنع الأدوية مثل الأنسولين. فإذا أصاب فيروس صهاريج التخمير، فقد تكون النتائج كارثية. 

وقد يصنع الميكروب الذي يحتوي على الحمض النووي الاصطناعي مناعة ضد مثل هذه الهجمات. كما يمكن أن تسمح إعادة ترميز الحمض النووي للعلماء أيضا ببرمجة الخلايا حتى لا تعمل جيناتها – إذا هربت – في أنواع أخرى. 

قال فين ستيرلنغ، عالم الأحياء الاصطناعية في كلية طب هارفارد والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة “إنه يخلق جدارا ناريا وراثيا. ولهذا يهتم الباحثون أيضا بإعادة ترميز الحياة لأنها تتيح الفرصة لصنع الجزيئات بأنواع كيميائية جديدة تماما.”

بكتريا الإشريكية القولونية هي العمود الفقري للأبحاث في المختبرات العلمية، والآن أصبح من الواضح أنه يمكن تصنيع جينومها في المختبر، ويمكن للباحثين تطبيق أساليب تشين على الخميرة أو الأنواع الأخرى. وقال ستيرلنغ: “من الناحية النظرية، يمكنك إعادة ترميز أي شيء”.

المصدر: http://arsco.org/article-detail-1421-3-0