للدماغ حالاتٌ داخلية ثابتة، يمكنها تنظيم كل جانب من جوانب التجارب الذهنية التي يخوضها الحيوان. وهذه الحالات الداخلية تتسم بالتغير المستمر أثناء المهام المعقدة، مثل البحث عن الطعام. وعلى سبيل المثال.. يتقلب نشاط دودة الربداء الرشيقة Caenorhabditis elegans في أثناء البحث عن الطعام بين البحث في محيطها، والانتشار خارجه، بينما تتقلب القوارض والرئيسيات بين حالتي استغلال الموارد المتاحة، والاستكشاف، بيد أنه لم تُجِبْ بعد التساؤلات الجوهرية المطروحة عن الكيفية التي يحافظ بها الدماغ على استمرارية تلك الحالات الثابتة، وأي الشبكات العصبية المُرسِلة للإشارات مسؤولة عن التحول لتلك الحالات، وأيضًا كيف تتحكم الخلايا العصبية المُرمِّزة لتلك الحالات في النشاط العصبي في عمليات الإدراك الحسي، واتخاذ القرارات، وذلك لتنظيم السلوك المناسب. وفي هذا البحث المنشور، يستخدم الباحثون التصوير المجهري التتبعي في دعاميص (صغار) أسماك زرد تتحرك بحرية، لرصد نشاط الخلايا العصبية في أدمغتها بأكملها باستبانة خلوية.

 وقد أوضح الباحثون أنَّ أسماك الزرد تتقلب تلقائيًّا بين حالتين داخليتين ثابتتين أثناء البحث عن فريسةٍ حية (كائن البراميسيوم Paramecia). ففي حالة استغلال الموارد المتاحة، تحدّ الأسماك من حركتها، وتعزز سلوك الصيد، لتتحرك في مساراتٍ قصيرة في منطقةٍ محدودة محيطة بموقعها. أما في حالة الاستكشاف، فتعزز الأسماك سلوك الحركة، وتثبط سلوك الصيد، فتتحرك في مساراتٍ طويلة تُوَسِّع مساحة انتشارها. ويكشف الباحثون عن وجود مجموعةٍ فرعية من الخلايا العصبية في منطقة الرفاء الظهراني، ذات نشاطٍ ثابت، تُرمِّز بفعالية حالة استغلال الموارد. وهذه الخلايا العصبية المُرمِّزة لحالة الاستغلال، إلى جانب شبكة التحفيز متعددة الأنماط المرتبطة بالتحولات في حالات الدماغ الداخلية، تشكلان معًا نظامًا ديناميكيًّا غير خطي يُنشَّط عشوائيًّا.

ويرتبط نشاط هذه الشبكة المتقلبة بعملية إعادة ضبط شاملة للتحولات الحسية الحركية أثناء البحث عن الطعام، تؤدي إلى تغييراتٍ ملحوظة في كلٍّ من الدافع الذي يحرك الحيوان لاصطياد الفريسة، وفي دقة تسلسلات الحركة أثناء الصيد. وبهذا.. يكشف هذا العمل متغيرًا خفيًّا مهمًّا، يُشكِّل النسق الزمني لعملية التحفيز واتخاذ القرار.

المصدر: https://arabicedition.nature.com/journal/2020/01/s41586-019-1858-z