كورونا وتحديات أمام سياسات التحصين عالمياً

حالياً وحتى تاريخه تمت الموافقة والاعتماد من الهيئات الرسمية على اثني عشر نوع من لقاحات كوفيد-19 وهي جاهزة للاستخدام في أماكن مختلفة حول العالم. علماً بأنه ومنذ تفشي جائحة كورونا في أواخر 2019، والباحثون مبتكري تكنولوجيا اللقاحات يعملون مع الشركات المنتجة وذلك جنباً إلى جنب مع الهيئات الصحية المعنية مثل إدارة الغذاء والدواء FDA ، تحت ضغوط وظروف غير مسبوقة من أجل انتاج لقاحات ذات فعالية كبيرة ضد فيروس كورونا المستجد، وقد أثمرت تلك الجهود في حصول أول لقاح على الموافقة للاستخدام في أقل من عام.

في ظل سباق الدول الغنية الماراثوني لشراء لقاح كوفيد-19 لتحصين مواطنيها، صرحت منظمة الصحة العالمية عن استحالة تمكن نوع واحد من اللقاحات من تغطية احتياجات العالم كله، الأمر الذي سوف يجبر الدول على شراء أكثر من نوع من اللقاحات من مصادرها المعروفة. فضلاً عن ضرورة توفير مستلزمات لزوم الحفاظ على سلامة اللقاحات، على سبيل المثال يتطلب لقاح فايزر-بيونتك درجة حرارة سالب 70 ولقاح مودرنا سالب 20، بينما يمكن تخزين لقاحات أخرى مثل لقاح أكسفورد-أسترازينيكا واللقاح الروسي سبوتنك في درجة حرارة الثلاجة العادية.

منظمة الصحة العالمية أنشات لجنة أو هيئة إدارية أطلق عليها اسم كوفاكس (COVAX) COVID-19 Vaccine Global Access وقد أعلنت كوفاكس عن مبادرة مشتركة بين منظمة الصحة العالمية وتحالف اللقاحات “جافي” والتحالف من أجل إبتكارات الإستعداد للأوبئة، تلك المبادرة وقعت عليها 189 دولة وتهدف إلى شراء ما يكفي من اللقاحات من أجل توفير ما لا يقل عن ملياري جرعة لقاح معتمد كمرحلة أولى لتغطية وتحصين الناس حول العالم بصورة عادلة حسب الخطة المرسومة، وكذا تسعى كوفاكس لتنظيم توزيع اللقاحات، وتهدف كذلك لضمان أن 20% من كل بلد مشارك سوف يحصل على اللقاح قبل البلدان الأخرى، على أن تشمل الخطة الموضوعة الدول الفقيرة، وإلا فسوف تستمر جائحة كوفيد-19 سنوات للسيطرة عليها.

إضافة لما يحدث من طفرات وتحورات وظهور نسخ متحورة من سلالة فيروس كورونا المستجد، والتي يترتب عليها ضرورة إنجاز تحسينات وتعديلات في اللقاحات كي تحافظ على فعاليتها غير منقوصة، توجد أربع تحديات أو عقبات أمام سياسات التحصين العالمي للسيطرة على كوفيد-19، ذُكرت تلك التحديات في مقالة للسياسة الصحية نشرت يوم 12 فبراير 2021 في مجلة لانسيت Lancet The. وهي أنه يجب إنتاجها على نطاق واسع ، بأسعار معقولة ، ومخصصة عالميًا بحيث تكون متاحة عند الحاجة ، ويتم نشرها على نطاق واسع في المجتمعات المحلية. كما استعرضت ورقة المراجعة تلك، التحديات المحتملة للنجاح في كل من هذه الأبعاد وناقشت الآثار المترتبة على السياسات المتبعة. بالإضافة إلى ذلك، قام المؤلفون بتطوير لوحة معلومات لتسليط الضوء على الخصائص الرئيسية لـ 26 لقاحًا مرشحًا رائدًا ، بما في ذلك مستويات الفعالية وأنظمة الجرعات ومتطلبات التخزين والأسعار والقدرات الإنتاجية في عام 2021 والمخزونات المخصصة للبلدان منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل. مع تسليط الضوء على المفاضلات المهمة التي يحتاج صانعو السياسات إلى أخذها في الاعتبار عند تطوير برامج التطعيم وتنفيذها.

ويمكننا تفصيل تلك التحديات فيما يلي

التحدي الأول لنشر وتوزيع لقاحات كوفيد-19 يتمثل في عملية الإنتاج، حيث أشارت المقالة إلى أنه من المتوقع إنتاج بليون أو أكثر سنوياً من جرعات اللقاح، بواسطة عشر شركات منتجة، فضلاً عن تسع شركات أخرى بإمكانها توفير 700 مليون جرعة سنوياً، لكن لم يكن في استطاعة تلك الشركات استكمال عمليات التطوير والحصول كذلك على الموافقات والاعتماد الرسمي لها، هذا فضلاً عن تجهيزات تلازم عميات التحصين باللقاحات مثل العبوات الزجاجية والسرنجات والمواد التي تساعد في ثبات اللقاحات وكذا التغلب على بعض الأسباب التي قد توقف أو تقلل من فعالية اللقاحات أو التي قد تكون عائقاً في توزيعها.

التحدي الثاني ويتمثل في القدرة على تحمل تكاليف سعر اللقاحات، بحيث لا يقتصر شراءه على الدول الغنية فقط، لذا يجب على الدول الغنية مساعدة الفقيرة في الحصول على ما يلزمها من اللقاحات. السعر عموماً يترواح ما بين 5-65 دولاراً للجرعة، ويرجع التباين في السعر إلى العديد من الأسباب منها التكلفة العالية للتكنولوجيا الحديثة في تصميمات واسترتيجيات التصنيع، فضلاً عن الكميات الممنوحة ومتطلبات حكومات البلدان المسئولة عن اللقاحات. علماً بأن هذه الحكومات تتحمل أعباء إضافية تتمثل في تكلفة وتوزيع وإدارة ومسارات برامج التحصين.

هذا وأشارت الدراسة إلى أن 85% من سكان العالم محدودي أو متوسطي الدخل ويفتقرون إلى مصادر تمويل كي يحصلوا على ما يكفيهم من لقاحات، الأمر الذي يتطلب ضرورة تعاون الدول الغنية والتعهد بالتوقيع من أجل الدفع المادي للمساهمة في سد هذا النقص.

التحدي الثالث أمام عملية التحصين العالمي والذي ذكرته المقالة وهو التخصيص العالمي حيث أنه من غير المضمون إتاحة وتوزيع عام لما يكفي من لقاحات، ويرجع ذلك لندرة أو فقر الإمداد، وكذلك لأن الدول ذات الإقتصاد والدخل الكبير تمثل 16% من سكان العالم، وقد طلبت حكومات تلك الدول بصورة أولية على الأقل 4,2 بليون جرعة لقاح وعلى الأقل ضمان وتأمين 70% لها من جرعات اللقاح التي سوف تكون متاحة في 2021.

وإذا لم تحصل المليارت من الناس على اللقاح خلال 2021، فقد يؤدي ذلك لاستمرار الجائحة ومن ثمّ حدوث طفرات جديدة وظهور نسخ متحورة أو سلالات جديدة من الفيروس قد تصعب السيطرة عليها.

التحدي الرابع وهو النشر، فالمشاكل والخلافات العالمية والتفرق المجتعي تمثل عقبة كأداء أمام سياسة التحصين العالمية. حيث تفتقر حكومات بعض البلدان للبنية التحتية التي عن طريقها تستطيع تسجيل المواطنين لديها من الذين لهم الأولوية في الحصول على اللقاح ناهيك عن الذين سوف يقومون بتنفيذ برنامج التحصين سواء نقله أوتخزينه في الدرجة المناسبة بما تمثل تحدي لوجستي.

هذا إضافة إلى وجود شكوك حول الحصول على اللقاح بين الدول الفقيرة والأخرى الغنية في جميع النواحي سواء المجموعات الإجتماعية-الإقتصادية والدينية والعرقية، ناهيك عن الشائعات التي تروج عن سوء نية من قبل بعض البلدان التي تقود العالم في استغلال اللقاحات للسيطرة على تحركات البشر حول العالم، ويرجع كذلك لنقص في المعلومات الصحيحة وهذا يغذي فقدان الثقة أكثر، وقد تؤكده لدى الكثير كذلك مواقف وأفعال سابقة.

المصدر:https://arsco.org/article-detail-1881-2-0