هل هنالك تغذية صحية للجميع، وتغذية ضارة بالجميع؟ أم أن الأمور نسبية وشخصية وتتعلق بكل فرد منا على حدة؟!

خلال السنوات الاخيرة، تحول الامر الى وباء حقيقي، ففي كل يوم تظهر ابحاث، ويحذرنا الاخصائيون من تناول هذا النوع من الاغذية او ذاك. 

لكن كيف يفعلون ذلك؟ الموضوع سهل للغاية، يقومون بفحص كمية السعرات الحرارية، الدهنيات، البروتينات، المؤشر الجلايسيمي (Glycemic index)، مضادات الاكسدة (Antioxidant)، مضادات الالتهاب، الجلوتين (Gluten)، الفيتامينات، المعادن وغيرها من المعطيات التي يدخلونها الى معادلة معقدة، فيصدر حكم في النهاية على الغذاء: هل هو غذاء صحي او غير صحي!

بهذه الطريقة نعرف ان البطاطا الحلوة صحية، الملفوف صحي جدا، الفلفل جيد، الخبز الابيض ليس صحيا جدا، والدهن النباتي خطير جدا. احيانا، نميل للاعتقاد انه كلما كان الطعام اكثر غرابة وندرة (لبن الماعز، الخبز المصنوع من حبوب الشوفان الكاملة، الجوز البرازيلي، عصير القمح، حبوب الكتان) يكون اكثر صحة، في حين ان الاطعمة المتوفرة بكثرة لدينا منذ وقت طويل (الخبز، الارز الابيض، اللحم، الدجاج، السكر والملح) تعتبر ضارة بصحتنا.    

في هذا المقال، سنحاول الاجابة على بعض الاسئلة المقلقة: هل هنالك اغذية يتوجب علينا تجنب استهلاكها؟ هل هنالك اغذية من المفضل ان نقوم باستهلاكها؟ وباختصار، اي نظام غذائي علينا ان نختار؟

بداية، يجب ان نفهم ان البشر يختلفون عن بعضهم. ففي حين يعتبر البعض منا ان تناول ملعقة من الفلفل الشديد الحراراة صباحا هو احد انواع المتعة، يعتبره البعض الاخر الما لا يمكن احتماله، وسببا كافيا للاصابة بالقرحة المعدية (Gastric ulcer). البعض منا معتاد على منتجات الالبان ويتمتع بتناولها، بينما فينا من يصاب بالاسهال والام البطن. لذلك، فان كل التصريحات التي تصلنا بصيغة: “اثبتت الابحاث ان البطاطا الحلوة صحية” او “الصويا غير صحية”، تعتبر سطحية، وهذا هو عيبها الكبير.      

كذلك، عند التوجه للمختصين، كثيرا ما نصاب ببعض الاحباط. في حال قررتم استشارة مختص التغذية الصحية، وقبل ان يعرف حتى ما هي المشكلة التي تعانون منها، فانه على الارجح سينصحكم بما يلي: “قللوا من استهلاك الدقيق الابيض، السكر، الملح ولحم البقر. اكثروا من الفواكه، الخضار والارز الكامل”. يبدو ان هذا النظام الغذائي كان مفيدا لشخص او شخصين في الماضي البعيد، فقرر اخصائيو التغذية، من يومها، انه قد يكون مناسبا للجميع!!!

بعض التوصيات مدعومة بنتائج ابحاث، لكن معظم هذه الابحاث هي ابحاث ” بالاثر الرجعي ” (Retrospective – تحلل المعلومات بعد وقوعها)، وذلك لان اي شخص منا ما كان ليقبل بتبني واعتماد نظام غذائي مختلف، على مدار سنوات طويلة قادمة، فقط من اجل ان يعرف بعد كل هذه السنوات ان كان هذا النظام مفيدا ام ضارا. بالاضافة لذلك، في حين تنجح الابحاث في اثبات ان غذاء معينا يرفع ضغط الدم لدى 70% من السكان (عامل عشوائي ومشكوك فيه اذ لم ياخذ البحث بعين الاعتبار كل الاعراض لدى الافراد وانما فحص وجود عامل واحد)، فليس هنالك ما يمكنه ان يؤكد ان هذا الغذاء سيضر ايضا بالـ 30% الباقين. من الممكن الا يسبب هذا الغذاء اي ضرر لهؤلاء الـ 30%، بل انه من الممكن ان يكون مفيدا جدا لهم، وفي حال توقفهم استهلاكه، من الممكن ان تزداد حالتهم سوءا.  

اذا اعطينا مجموعة من الاشخاص ذوي الاصول الغربية، تناول اغذية حارة، فانهم سيعانون من مشاكل في الهضم. هل من الصحيح، في هذه الحالة، الاستنتاج ان على كل من اعتاد تناول الاغذية الحارة التوقف عن ذلك؟ حتى لو لم يسبب لهم ذلك الغذاء اية مشاكل؟

سؤال اضافي: اين يجب القيام بمثل هذه التجربة؟ اذ ان نتائجها ستكون مختلفة في حال اجريناها في احدى الدول الاسكندنافية، عما ستكون عليه لو اجريناها في الهند.

في ظل كل ما قيل، ليس غريبا ان تتغير نتائج الابحاث طوال الوقت، بحث يناقض الاخر، اذ ان اكوام المعلومات المكدسة هذه لا تتسم باي منهجية، ولا فيها اي فهم شامل لجسم الانسان، احتياجاته وصحته.

اضافة الى ذلك، فان التغذية “الصحية” لا تجعلنا اكثر صحة فحسب، اذ انها من الممكن ان تسبب لنا الضرر. كيف؟ اولا لانها تقيد الشخص بعدد محدود من الاغذية الصحية التي يستطيع تناولها. بينما يتسم الاشخاص الاصحاء، بشكل عام، بانهم لا يتقيدون يانواع محددة من الاغذية التي يتناولونها. هنالك خبز؟ ياكل خبزا. هنالك دجاج؟ ياكل دجاجا. هنالك اسماك؟ ياكل اسماكا. صحة الشخص الجيدة هي التي تسمح له بتناول تشكيلة واسعة من الاغذية، وهو قادر على التعود بسرعة على اي نوع من الاغذية، وبوسعه تحديد الاغذية التي يحتاج لها. اما الشخص المقيد من الناحية الغذائية، فهو المريض. 

اذا، ما الذي علينا ان نفعل لكي نحصل على التغذية الصحية؟

ليس على الشخص المعني بان يكون بصحة جيدة، ان يفرض على نفسه نظاما غذائيا معينا. انما يجب ان يقوم باكل ما يريد. وهو ما يحتاجه جسمنا في معظم الحالات. عندما يرسل الجسم اشارات الجوع، فانه يشعر بالحاجة للغذاء، ويرسل لنا اشارات حول نوع الغذاء الذي يحتاج له.

طبعا من المهم ان يكون الطعام نظيفا، مغسولا، مع اقل كمية ممكنة من السموم والصبغات المختلفة، واذا امكن ان يكون الغذاء عضويا، فانه سيكون افضل. عندما يكون الطعام مغذيا ونظيفا، لا تكون هنالك افضلية لاستهلاك نوع معين على اخر.

ماذا لو ارسل لنا الجسم اشارات ان الطعام قد يضر بنا؟ كالرغبة القوية بالحلويات التي نعرف انها غير مشبعة؟ هل علينا الخضوع لتلك الرغبة والازدياد في الوزن؟ في هذه الحالة علينا ان نفهم ان رغبتنا الشديدة بتناول شيء حلو المذاق ما هي الا احد اعراض الاصابة بالمرض. معظمنا يحب الحلويات، لكن بعد كمية قليلة من الحلو، نشعر بالشبع ولا نشعر بالحاجة لاستهلاكه بعد. الشخص الذي يشعر كل الوقت برغبة بتناول الحلويات يعاني من مرض معين، ومن اعراض هذا المرض الرغبة الشديدة بتناول الحلويات. منع هذا الشخص من تناول الحلويات لن يحل المشكلة، اذ ان الشعور بعدم الراحة سيبقى يسيطر عليه، بل ان المشكلة قد تتفاقم في بعض الاحيان وتظهر على شكل اضطرابات جسدية ونفسية اخرى.

في حال كانت المشكلة مقلقة، يوصى بالتوجه لتلقي العلاج المثلي (Homeopathy)، حيث يتم في هذا النوع من العلاج، البحث عن جذور المشكلة، استيضاح متى بدات، ما هي خصائصها وهل هنالك اعراض اخرى (جسدية او نفسية)، ما هو طبع المعالج ونمط حياته، ووفقا لكل هذه المعطيات تتم ملائمة العلاج.