تكمن الصعوبة في تمييز الخَرَف في أن جزءًا من الأعراض التي تظهر عند الخَرَف، تظهر أيضًا مع بدء مرحلة الشيخوخة.

مع التقدم بالعمر، تبدا الكثير من وظائف الجسم بالتردي والتراجع. بعض هذه الوظائف هي وظائف فسيولوجية، وبعضها الاخر نفسية. لكن كيف بامكاننا تمييز ما اذا كان هذا التراجع متعلقا بسن الشيخوخة، بالضعف الطبيعي، او ببدء الاصابة بالخرف.

ما هو الخرف؟
الخرف (Dementia)، هو متلازمة تميز مجموعة مكونة من 72 مرضا، اوسعها انتشارا، هو مرض الالتزهايمر (Alzheimer). يتمثل الخرف بهبوط تدريجي في القدرات التفكيرية، بسبب مرض عضوي يصيب الدماغ. من اعراض الخرف، اعتلالات الذاكرة بدرجات مختلفة، فقدان القدرة على التواجد (معرفة المكان والاتجاهات)، تغييرات في انماط السلوك، وتغييرات في شخصية المصاب. قد تؤثر هذه التغييرات العقلية والسلوكية على مستوى الاداء اليومي في حياة المصاب.
تكمن الصعوبة في تمييز الخرف في ان جزءا من الاعراض التي تظهر عند الخرف، تظهر ايضا مع بدء مرحلة الشيخوخة. ففي احيان كثيرة، عندما يمر شخص باعراض طبية تتعلق بالخرف، فانه يميل لربط هذه الاعراض بالشيخوخة. الشيخوخة ليست مرضا (تماما كما ان الحمل والولادة ليسا امراضا)، وانما هي حالة فسيولوجية طبيعية. مع ذلك، من الضروري معرفة العلامات المنبهة التي تشير الى بدء الاصابة بمرض الخرف، من اجل انتهاز الفرصة والتوجه لتلقي العلاج المتاح منذ المراحل المبكرة من المرض.

قامت الجمعية الدولية لمرض الالتزهايمر بتحديد عشر اشارات تحذيرية تشير لبدء الاصابة بالخرف:
1. تردي اداء وقدرات الذاكرة الانية (Immediate Memory)، والذي يضر باداء المهام اليومية. تعتبر هذه العلامة اشارة بارزة للاصابة بالالتزهايمر. المقصود هنا هي الذاكرة قصيرة الامد، حيث لا يكون بمقدور الشخص تذكر الاشخاص الذين قابلهم في الامس، ولماذا دخل غرفة ما في البيت مثلا.
2. صعوبة تخطيط النشاطات وتردي القدرة على حل المشاكل – فمرضى الالتزهايمر يجابهون صعوبات جمة في التعامل مع الارقام او البرامج. وخاصة تتبع حساب البنك، تسديد الدفعات المستحقة، وحتى صعوبات في التخطيط لعمليات او وظائف متعددة المراحل، كاعداد الطعام وفق وصفة معينة.
3. مجابهة صعوبات في اتمام المهام والاعمال المنزلية، العمل او وقت الفراغ – يجابه هؤلاء المرضى صعوبات في اداء المهام التي كانوا معتادين على ادائها في السابق، مثل قيادة السيارة نحو مكان معروف، قواعد اللعبة في لعبة معروفة لهم، العلاقات الاجتماعية والعائلية او الهوايات التي طالما احبوا القيام بها.
4. ارتباك بكل ما يتعلق بالوقت، الحالة، او المكان – يميل معظم مرضى الالتزهايمر لفقدان الاحساس بالوقت، الصلة بالتاريخ، الفصل من السنة، السنة، وكم من الوقت مضى. كما يعانون من صعوبة في فهم الامور التي تحصل في وقت مختلف عن الوقت الحاضر، المكان الذي يتواجدون به او كيف وصلوا الى هذا المكان.
5. صعوبة في تحليل المعلومات البصرية والتواجد في مكان ما – تعتبر مشاكل النظر، احدى علامات الاصابة بالمرض لدى بعض من يعانون من الالتزهايمر. يجابهون صعوبات في القراءة، تقييم الابعاد او تحديد الالوان. بالمقابل يواجهون ايضا صعوبات في الادراك. مثلا قد يمرون من جانب مراة ولا يفهمون ان الشخصية التي تظهر في المراة هي انعكاس لهم.
6. صعوبات في النطق او الكتابة – يجابه المصابون بالالتزهايمر او الخرف صعوبة في تنظيم محادثة. فقد يتوقفون في منتصف الجملة دون ان يعلموا كيف عليهم ان يتابعوها. او ان يجدوا صعوبة في اعادة نطق بعض المصطلحات او الجمل (تدعى هذه الظاهرة “تكرارية ومحافظة على الاجابة” – Perseveration) قد يستصعبون ايجاد الكلمات المطلوبة واختيار الاسم المناسب للشيء او الشخص.
7. وضع الاغراض في مكان غير معتاد، ثم فقدان المقدرة على ايجاده – يميل مرضى الالتزهايمر الى اخفاء الاغراض، خاصة الثمينة منها كالمجوهرات او المال. وعندما يجابهون صعوبة في ايجادها قد يميلون الى اتهام المحيطين بهم بالسرقة (افراد العائلة او الجليس)، والتي يظنها المحيطون افكارا عبثية من هؤلاء المرضى.  تنتشر ايضا الافكار العبثية بشان خيانة الزوج. ومع الوقت تكثر هذه الاتهامات وتتواتر بشكل اكبر.
8. تردي القدرة على الحكم على الامور (القدرة في التقييم والتقدير) وعلى الاداء –  يتميز مرض الالتزهايمر بتردي قدرة المريض على الاداء، خصوصا في ما يتعلق بادارة الامور المالية. كما تتردى قدراتهم على اداء المهام الاخرى كاختيار الملابس الملائمة، كيفية لبس الملابس وكيفية الاستحمام.
9. ترك العمل، هجر الاصدقاء والهوايات – يؤثر هبوط اداء الدماغ على المهام اليومية، ويمر المريض بتغييرات عقلية وجسدية، وهي التغييرات التي يعاني منها ايضا مرضى الخرف وقد تؤدي الى الانطوائية (Internalization) والانزواء. يبتعد المريض عن ابناء عائلته، ويقلل من علاقاته الاجتماعية الى حد القطيعة الكاملة ويتوقف نهائيا عن ممارسة هواياته والانشغال بها.
10. تغييرات مزاجية وتغييرات في الشخصية – قد يتبدل ويتغير مزاج المصاب بالخرف او الالتزهايمر وتتبدل سماته الشخصية، قد يصبح اكثر ارتباكا وتشككا في من حوله. كذلك، فانه من الممكن ان يعاني من الاكتئاب او الخوف او القلق. قد يقل تعاطفه واهتمامه بالاخرين، وقد يصبح من السهل اثارة عصبيته في البيت، في العمل او بالعكس. كذلك، من الممكن ان تظهر هذه التغيرات بعيدا عن الاماكن التي يشعر المريض فيها بالراحة.

بالاضافة الى هذه الاشارات التحذيرات الذهنية والنفسية، من الضروري الانتباه ايضا الى العلامات الفسيولوجية التي تظهر لدى بعض مرضى الخرف / الالتزهايمر:
• من الناحية الحركية –  يميل مرضى الالتزهايمر الى المشي بشكل ابطا وبمشية مختلفة عن المعهود، كما يتسمون بالبطء في الانتقال من حالة الجلوس الى الوقوف.
• السقوط –  يميل مرضى الالتزهايمر الذين يعانون من تردي القدرة التفكيرية الى السقوط اكثر من غيرهم من المسنين. بالاضافة لكونه علامة من علامات الاصابة بالخرف، يتوجب الانتباه لسقوط المسنين لانه يعرضهم ايضا لمخاطر النزف داخل الدماغ، النزف في تجويف الدماغ، الاصابات في الاطراف وحدوث الكسور، التي قد تسبب الالم وتحد من القدرة على الحركة.
فقدان الوزن – بعد التقصي واستبعاد احتمال فقدان الوزن لاسباب اخرى، يجدر التفكير بان نقصان الوزن قد يكون علامة من العلامات التي تشير الى بدء الاصابة بالخرف او الالتزهايمر. يحدث فقدان الوزن نتيجة لعدم تذكر الشخص المصاب ان كان قد  اكل ام لا، وماذا اكل، او حتى نتيجة لنسيانه شراء الطعام.
• السيطرة على الافرازات – قد تحصل اضطرابات في افراز البول، تبدا بالحاجة المتواترة والمتزايدة للتبول، وتنتهي بسلس البول. قد تحصل ايضا حالات من افراز البراز بشكل لا ارادي ودون تنبيه سابق (سلس مستقيمي). تتعلق هذه الظواهر بانعدام الرقابة والتحكم المركزي بالاداء المستقل للاعضاء المسؤولة عن الامساك عن افراز البول او البراز.
نوبات الصرع – كجزء من عمليات ضمور قشرة الدماغ، قد تحصل نوبات ذات طابع صرعي. قد تحدث اختلاجات، نوبات جزئية (Partial seizures)، او نوبات انفصال عن المحيط.
اذا كنتم انتم، او ايا من مقربيكم، تعانون من احدى العلامات التي ذكرناها في ما تقدم، من الضروري التوجه لعيادة مختصة بالطب النفسي الشيخوخي من اجل تلقي تقييم لوضعكم الصحي. من الضروري التذكر بان التشخيص المبكر للخرف/الالتزهايمر هو امر هام جدا وحاسم في عملية الحصول على علاج يبطئ تقدم المرض وتفاقمه.