المضادات الحيوية في المياه المستعملة خطر وتهديد لصحة الإنسان
الكاتب : د. الهادي بن منصور أستاذ محاضر للتعليم العالي في علم السموميات
تعتبر المضادات الحيوية من أهم ما وصل إليه الإنسان من اكتشاف في مجال الطب ومن تقدم علمي في مجال صناعة الأدوية، إذ تلعب دوراً هاماً في علاج العديد من الأمراض لدى الإنسان والحيوان. إنها تقاوم عديد الالتهابات التي تسببها البكتيريا أو الجراثيم. ولكن، وكما أكد العديد من الباحثين والمنظمات أن هذا النوع من الأدوية، التي يكثر استعمالها في أغلب دول العالم، وأحيانا كثيرة دون وصفة طبية، تعتبر السبب الرابع للوفاة لارتفاع نصيبها من الأعراض الجانبية ودرجة السميّة التي تطال مختلف أجهزة الجسم وأخطرها رفع إنزيمات الكبد والكلى.
في السنوات القليلة الماضية، أصبح من الواضح أن تصريف مياه الصرف الصحي مباشرة في المياه الطبيعية هي أساس التلوث البيئي التي يمكن أن لا تؤثر على المياه السطحية فحسب، بل أيضا على المياه الجوفية. كما أن اليوم أصبحت المياه البحرية والمياه العذبة تستقطب عددا متزايدا من الملوثات المرتبطة ببقايا الأدوية ذات الاستعمال البشري والحيواني والأنشطة الصناعية. وكما يتم استخدام هذه المضادات الحيوية في علاج بعض الأمراض في مجالي الطب البشري والطب البيطري استعملت أيضا لتسريع عملية النمو في الأعلاف المستعملة للإنتاج الحيواني البحري والبري.
كما يعتبر وجود هذه المضادات الحيوية في المياه المستعملة لمحطات معالجة الصرف الصحي وفي ونفايات المستشفيات والمصحات الخاصة ومصانع الأدوية وكذلك في مياه أنشطة تربية الأسماك بالبحر، موضوعا يشغل العديد من الدول خاصة منها الولايات المتحدة الأمريكية، الصين والاتحاد الاوروبي، حيث أثبتت العديد من الدراسات وجود كميات منها تصل إلى عشرات الميكروغرامات في اللتر الواحد من الماء. كما أثبتت دراسات أخرى أن الخطر المباشر الذي تمثله المضادات الحيوية مجتمعة يتسبب عن طريق تراكمها في خطر كبير على صحة وسلامة الإنسان.
هذا ولاحظ العديد من الباحثين من جميع أنحاء العالم في السنوات الأخيرة وجود حالات متزايدة لبكتيريا مُقاومة للمضادات الحيويّة، وهي بكتيريا لا تتأثّر بالعلاج بواسطة المضادات الحيويّة المعروفة، أي أنها لا تُصاب نتيجة استخدام المضادات المألوفة، وقد تؤدّي تلك البكتيريا المقاومة لإصابة الإنسان بأمراض صعبة العلاج وفي أحيان أخرى إلى موته، مما تطلّب هذا الأمر إجراء أبحاثا جديدة لتطوير وإنتاج أنواع متطورة من المضادات الحيويّة. ويذكر أن منظمة الصحة العالمية أولت في السنوات الأخيرة موضوع مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية ما يستحقه من الاهتمام، حيث أشار مسح إحصائي جديد قامت به المنظمة في 16 نوفمبر 2015 للعديد من البلدان إلى الخطر الكبير الذي يهدد الصحة العمومية وما يكتنفه من لبس لدى الناس وعدم استيعابهم لكيفية الحيلولة دون انتشاره. فالإفراط في استخدام المضادات الحيوية وسوء استخدامها يزيد فرص ظهور البكتيريا المقاومة، ويشير هذا المسح إلى بعض السلوكيات الخاطئة في استعمال المضادات الحيوية والمفاهيم المغلوطة التي تساهم في تفاقم هذه الظاهرة.
حيث أشار إلى أن ما يقرب من ثلثي الأشخاص (64 %) الذين شملهم المسح في 12 بلداً والبالغ عددهم نحو عشرة آلاف شخص، يعلمون أن مقاومة المضادات الحيوية من القضايا التي قد تؤثر على صحتهم وعلى صحة عائلاتهم، ولكنهم لا يعلمون على وجه التحديد كيف هذا التأثير وما يمكنهم القيام به للتصدي لهذه المشكلة. فعلى سبيل المثال، يعتقد 64 % ممن شملهم المسح أن المضادات الحيوية قد تستخدم في علاج نزلات البرد والانفلونزا، على الرغم من أنه علميا تعتبر المضادات الحيوية ليس لها تأثير على الفيروسات. ويعتقد ما يقرب من ثلث الأشخاص (32 %) ممن شملهم المسح أنه يتعين عليهم التوقف عن تناول المضادات الحيوية عندما يشعرون بتحسن بدلا من استكمال دورة العلاج الكاملة وفقا لتوجيهات الطبيب. وفي الوقت الذي تتالى فيه نتائج الأبحاث من كل أصقاع العالم، وتكثر فيه صيحات المنظمات والمختصين لخطر المضادات الحيوية على صحة الإنسان، تبقى الأبحاث في وطننا العربي شحيحة إن لم نقل قليلة جدا، وقد تنبهت منظمة المجتمع العلمي العربي إلى هذا الموضوع الهام وقامت بنشر العديد من المقالات باللغة العربية نبهت فيها إلى خطر تأثير المضادات الحيوية الملقاة في المياه المستعملة والمعالجة على صحة الإنسان في الوطن العربي.
كما نجحت المنظمة في الفترة الأخيرة في جمع باحثين ومختصين من دول عربية يتقاسمون نفس الأهداف والرهانات وتشكو من نفس النواقص حيث قامت بتمويل مشروع بحث علمي كبير لتشخيص الوضع البيئي، يقوم على جمع عينات من مياه الصرف الصحي ومياه البحر من خمس دول عربية هي تونس، مصر، قطر، الجزائر والمغرب ومقارنتها مع بعض الدول الأوروبية وهي إيطاليا، فرنسا وبلجيكيا. ويهدف هذا المشروع البحثي إلى تحديد وتقدير نسبة المضادات الحيوية في عينات المياه وتحديد مدى خطورة وجود هذه المضادات ودورها في ظهور البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. هذا وقد بدأ المشروع في شهر سبتمبر من سنة 2015 ويتواصل إلى غاية شهر جوان من سنة 2017 لتقوم المنظمة بنشر نتائجه لاحقاً.
بريد الكاتب الالكتروني: hdbenmansour@gmail.com