اكتشاف نظام سم ومضاد السم في بكتيريا السل
ما زال مرضُ السل الفتّاك الذي تُسببه بكتيريا المُتَفَطِّرة السُلِّيّةMycobacterium tuberculosis واحداً من أهم مسببات الوفاة حول العالم. فهو يتسبب في إمراض عشرة ملايين شخص سنوياً، ويودي بحياة مليون ونصف المليون مصاب. وفي محاولةٍ لفهمٍ أعمق لعوامل الضراوة التي تمتلكها هذه البكتيريا بغرض مواجهة تهديد السُّل المقاوِم للأدوية، نجح فريق بحثي أوروبي في التوصل إلى أداة علاجية جديدة محتملة ضد السُّل المقاوِم يقوم على جعل البكتيريا تقتل نفسها بنفسها من خلال سُم تقوم هي بإفرازه.
فقد أظهرت الدراسات الجينية السابقة أن بكتيريا المُتَفَطِّرة السُلِّيّة تمتلك حوالي ثمانين نظاماً من أنظمة (السم-مضاد السم): وهي عبارة عن مجموعات من الجينات المترابطة بشكلٍ وثيق وتقوم بتشفير كل من البروتين السُّمي ومضادّه الذي يعمل على تحييد السُّمية. في الوضع الطبيعي -أي عند توفر الظروف المواتية لنمو البكتيريا- يقوم مضاد السُّم بإعاقة نشاط السُّم، ولكن في ظل الظروف الصعبة مثل نقصٍ في المغذيات وغيرها، تقوم مجموعة انزيمات متخصصة بتحطيم جزيئات مضادات السموم؛ فينشط السُّم الذي يقوم بدوره بإبطاء نمو البكتيريا، فيسمح لها بالنجاة في هذه الظروف الصعبة حتى تتوفر ظروفٌ أكثر ملائمة، أو قد يقوم السُّم بقتل البكتيريا في عمليةِ انتحارٍ ما زال الهدفُ البيولوجي منها محورَ جدل. حيث يُعتقد أن انتحار البكتيريا قد يكون آلية دفاعية ضد الفيروسات؛ أي أن البكتيريا المصابة بالفيروس تختار الانتحار لتفادي نشر العدوى للبكتيريا المجاورة، ويُعتقد أيضاً أنها تنتحر عند ندرة المغذيات من باب التضحية في سبيل مصلحة الجماعة.
الموقع الالكترونيpham2017-admin
وقد نجح الفريق البحثي القائم على الدراسة الحالية في تحديد أحد هذه السموم الانتحارية وهو MbcT الذي إذا لم يتم إحباطه بواسطة مضاده MbcA فإنه يقوم بقتل بكتيريا المُتَفَطِّرة السُلِّيّة عن طريق تحطيم مخزن مركب ثنائي نوكليوتيد الأدنين وأميد النيكوتين(+NAD) لديها؛ وهو جزيء صغير ضروري لاستدامة الحياة. ولإظهار الامكانات العلاجية لهذا السم، قاموا بإصابة خلايا الفئران بسلالة من بكتيريا المُتَفَطِّرة السُلِّيّة تفتقر لنظام (السُّم-مضاد السُّم) ولكنها مجهزة صناعياً لتقوم بإنتاج سُم MbcT، وقد أدى تنشيط هذا السُّم إلى تقليص عدد البكتيريا التي تصيب الخلايا بشكل ملحوظ، مما أدّى إلى رفع معدلات نجاة الفئران. كما كشفت الدراسة عن التأثير التآزري للسُّم مع عقار الآيزونيازيد Isoniazid؛ حيث أدّى خلطهما إلى خفض أعداد البكتيريا في الرئتين بنسبة 100 ضعف، بينما أدّى عقار الآيزونيازيد منفرداً إلى خفض العدد بنسبة عشرة أضعاف فقط، أما سُم MbcT منفرداً خفَّض العدد بنسبة خمسة أضعاف.
إذا استطاع العلماء إيجاد جزيئات يمكنها تعطيل هذا النظام الذي سيعمل على إطلاق موت الخلايا البكتيرية في مرضى السل، فهذا الجزيء من شأنه أن يكون العقار المثالي لمكافحة السل الرئوي بطريقة مبتكرة معتمدة على آليات أيضية في البكتيريا. ومن المتوقع أن يقوم الفريق البحثي بفحص الآلاف من الجزيئات الصغيرة لمعرفة ما إذا كانت لديهم هذه القدرة.
الجدير بالذكر أن أنظمة السم/مضاد السمّ تم اكتشافها في عدة أنواع من البكتيريا وستشكل مادة غنية للأبحاث في المستقبل وربما تشكل بارقة أمل في طرق جديدة لعلاج الأمراض المعدية.