التسلسل التاريخي لتواجد الفيروسات التاجية
التسلسل التاريخي لتواجد الفيروسات التاجية
مقدمة
الفيروسات التاجية (فيروسات كورونا) هي إحدى العوائل الفيروسية الكبيرة التي تصيب الإنسان والحيوان، ومن النادر أن تنتقل الفيروسات التاجية التي تصيب الحيوان إلى الإنسان. ولكن في العقود الأخيرة بدأ يلاحظ مثل هذا الانتقال، ونجَمَ عنه حتى الآن ثلاثة أمراض بَشَريّة قويّة ومعروفة ظهرت في العقدين الماضيين، وهي المتلازمة التنفسية الحادة الشديدة (SARS) ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS) والجائحة الحالية المُسَمَّاة كوفيد-19 (COVID-19). وتسبب بعض هذه الفيروسات عدوى في الجهاز التنفسي وفي أحيانٍ قليلة في الجهاز الهضمي، وغالبيتها تُحدث أعراضاً خفيفة غير حادّة، ولكن البعض منها قد يتسبب في وباء أو في جائحة عالميّة. وتتركب هذه الفيروسات من حمض نووي من نوع الــ “رنا RNA”، أحادي النسيلة (single-stranded)، وهو الأكبر حجما من بين جميع فيروسات الـ “رنا” RNA Viruses، وهذا الحمض النووي مغطى ببروتينات يعلوها غشاء أو غلاف دهني تتخلله بروتينات تبرز من الغلاف مُعْطِيَةً الشكل التاجي المعروف. أنظر الشكل “مكونات الفيروسات التاجية”
التسلسل التاريخي لظهور هذه الفيروسات
بدأت القصة في عام 1965 حينما أعلن باحثون في وحدة أبحاث الزكام في ويلتشير بالمملكة المتحدة أنهم استطاعوا زراعة فيروس (تمت تسميته حينئذ بـ B814) من يافع لديه مرض الزكام، ووصفوا هذا الفيروس بأنه ليس له أي صلة ولا يشبه أياً من الفيروسات المعروفة في ذلك الحين والتي تصيب الجهاز التنفسي عند الإنسان.
بعد ذلك بعام وتحديدا في 1966 وصف علماء فيروسات في جامعة شيكاغو بالولايات المتحدة الأميركية فيروساً سَمَّوه 229E وعزلوه من طالب طب بالجامعة كان يشتكي من الزكام وهو أيضاً مختلف تماماً في شكله عن أيٍ من الفيروسات المعروفة في ذلك الحين والتي تصيب الجهاز التنفسي عند الإنسان.
وتوالت بعد ذلك الإخباريات عن فيروسات مشابهة، ففي عام 1967 تم وصف فيروس آخر في معهد الأمراض المُعدية والحساسيّة بالولايات المتحدة الأميركية وسُمّيَ OC43 وتم عزله بإستخدام نفس الأسلوب الذي تمَّ به عزل الفيروس الأول B814 وكان مشابهاً له في الشكل، وفي عام 1968 إجتمع علماء أبحاث بمن فيهم اللذين عزلوا وزرعوا الثلاثة فيروسات الأولى (B814 و 229E و OC43) ومعهم أول من أخذ صور فوتوغرافية لهذه الفيروسات بالمجهر الإلكتروني وكتبوا للمجله العلميه الشهيره “نيتشر Nature” أن هذه الفيروسات وما يشابهها تحت الوصف والإكتشاف يجب أن توضع في عائلة أو مجموعة خاصه بها تسمي الفيروسات “التاجية” لأن في تركيبها الخارجي المُصوَّر بروزات هدبيّة كالتاج الشمسي، وبدأ هذا المصطلح ينتشر ويُتَقبّل في الأوساط العلمية في تلك الفترة، وكل هذه الفيروسات تسببت في زكام بسيط لدى الناس.
ولم يحدث بعد ذلك أي اكتشافات حتى عام 2003 حين نشر باحثون دوليون تقريراً عن فاشية جديدة في جنوب الصين تسببت في متلازمة تنفسية حادة وشديدة تمت تسميتها بـ SARS ، بدأت في نهايات عام 2002، وكان سببها فيروس من عائلة الفيروسات التاجية هذه تمت تسميته SARS-CoV. ثم بعد ذلك بحوالي سنة وفي عام 2004 أعلن علماء في مركز إراسموس الطبي بهولندا عن عزل فيروس تاجي جديد من طفل كان مصاب بالتهاب رئوي، وسُمّيَ هذا الفيروس بـ NL63. في عام 2005 تم اكتشاف فيروس آخر في جامعة هونج كونج ينتمي لهذه العائلة من مريضين هناك، وتمت تسميته بـ HKU1.
وهدأت الأمور بعد ذلك حتى عام 2012 حين تمّ عزل فيروس كورونا آخر مستجد من مريض في المملكة العربية السعودية كان يعاني من التهاب رئوي مع فشل كلوي، وسُمّيَ الفيروس بـ MERS-CoV والمرض بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية. ومنذ سبعة أشهر تم الإعلان عن هذا الفيروس الحالي المستجد المسمّى بـ SARS-CoV-2 والمسبب لمرض الجائحة الحالية والمسمى بـ كوفيد-19.
وهذا يعني أن هناك ثمانية فيروسات تتبع لهذه العائلة الفيروسية التاجية تسبب التهابا رئوياً لدى البشر، ولكن ثلاثة منها فقط هي التي كان لها أثر شديد وعالمي (SARS-CoV و MERS-CoV و SARS-CoV-2) وواحداً فقط (سارس-كوفي-2 SARS-CoV-2) هو الذي تم الإعلان عنه من منظمة الصحة العالمية بأنه شكّلِ جائحة دولية، لاتزال الكثير من الدول تعاني منها صحيا واقتصاديا في الوقت الحاضر، ناهيك عن المشاكل النفسية التي ألمّت بالبشر بسبب الحجر الصحي الذي تمَّ فرضُهُ على الكثير من المجتمعات في العالم.
سارس-كوفي-2
نخص هذا النوع بالذكر نظراً لكونه الفيروس المسبب لمرض كوفيد-19 والذي يعتبر السبب المباشر للجائحة التي تعم العالم هذه الأيّام، والتي تسببت في الكثير من المشاكل الصحية والاقتصادية على مستوى الكرة الأرضية. وتسبب هذا النوع في أول إكتشافه في عدوى قاسية في الرئة، حيث تم الإعلان في بدايات شهر يناير من هذا العام (2020م) عن التعرف على أحد الميكروبات المُمْرِضَة في الصين من هذه العائلة الفيروسية، وهو سريع الإنتشار بين الناس رغم كونه الأقل إحداثاً للوفيات مقارنة بفيروسي سارس وميرز التاجيين، حيث ينتشر كرذاذ قد يسقط على الأسطح (مثل الطاولات ومقابض الأبواب والهواتف وخلاف ذلك) وقد يحمله الهواء، وغالبية المُصابين لا يشعرون بأي مرض رغم كونهم يستطيعون عدوى الغير (وبالتالي يجب أن يحجروا أنفسهم في منازلهم لمده لا تقل عن عشرة أيام).
ومن يشعر بالمرض يجده كأي عدوى تنفسيّة عادية، وقد تزداد لدى الشخص المصاب الحمى وضيق التنفس وكثرة السعال والعطاس مما قد يجعله محتاجا إلى التنويم في المستشفى لإعطائه الأوكسيجين على وجه الخصوص، والقليل من المرضى يتطوّر معهم المرض إلى أن يصبح التهاباً شديدا في الرئتين ويظهر عليه ما يسمي بالعاصفة المناعيّة. ونسبة الوفاة عالمياً في الوقت الحاضر لا تتعدى 5% ممن تكون نتيجة فحصهم للمرض إيجابية.
ولا يُعرف متى سينتهي هذا المرض على مستوي العالم، وليس له علاج ناجع أو لقاح حتى الآن. ولكن معرفتنا عنه الآن أفضل بكثير مما كانت عليه في بداياته، وللوقاية منه في الوقت الحاضر لابد من إستخدام الكمامات (الأقنعه) الجيّدة بالطريقة السليمة للحد من إنتقاله، والإلتزام بالتباعد الإجتماعي فيكون بينك وبين الشخص الآخر مسافة مترين، وغسل اليدين مراراً وتكراراً بالماء والصابون مع التخلل بين الأصابع وتنظيف مابين الأظافر لمده لا تقل عن أربعين ثانية، أو مسح اليدين بماده كحولية لا يقل تركيز الكحول فيها عن 70%، وتطهير الأسطح والبعد عن التجمعات وأماكنها والتهوية الجيدة وارتداء القفازات إن أمكن وخاصة عند التسوّق.
المصدر:https://arsco.org/article-detail-1676-2-0