Latest:

ماذا نعرف عن فيروس كورونا الجديد؟

نظرة إلى أهم ما نعرفه عن فيروس كورونا الجديد وكيف ألقى بظلاله على منطقة الشرق الأوسط. 

بعد مرور عشرة أشهر منذ ظهور أول التقارير التي تُبلغ عن حالات التهاب رئوي غامضة في مدينة ووهان الصينية وما تلا ذلك من تحديد أن المتسبب فيها هو فيروس جديد من الفيروسات التاجية أُطلق عليه لاحقًا اسم “سارس- كوف- 2” SARS- CoV- 2، ومع وصول عدد الإصابات بمرض “كوفيد-19” الناتج عن الفيروس  إلى أكثر من 40 مليون شخص حول العالم، بات واضحًا أن هذه الجائحة هي أسوأ أزمة صحة عامة شهدها العالم على الإطلاق منذ قرن من الزمان؛ إذ أودت بحياة أكثر من نصف مليون شخص، غير أنَّها حفَّزت أيضًا ثورة بحثية؛ حيث عمل الباحثون والأطباء بوتيرة لفهم طبيعة المرض، والتعامل معه.

ومن بين أبرز الأمور التي سعى العلماء لمعرفتها هو المصدر الأساسي للفيروس، والذي تشير غالبية الدلائل إلى كونه انتقل من الخفاش إلى حيوان وسيط، يرجح أنه حيوان آكل النمل الحرشفي، ومنه إلى البشر.

كما توصل العلماء إلى أن البروتينات الشوكية الموجود على سطح الفيروس ترتبط بمجرد دخولها إلى جسم الإنسان، بمستقبلات ACE2 الموجودة على سطح الخلايا الرئوية، التي يستخدم الفيروس آلياتها للاستنساخ بعد ذلك.  

وينتقل فيروس “سارس- كوف- 2” من شخص مصاب لآخر سليم عبر الرذاذ الملوث من خلال السعال أو العطس أو الحديث. كما توجد احتمال لانتقاله عن طريق ملامسة أسطح ملوثة ثم وضع الأيدي على الوجه (انظر: نظرة فاحصة على الفيروس؟). وتتمثل الأعراض الأكثر شيوعًا لمرض “كوفيد-19” في الحمى، وسعال، والصداع، وألم الحلق، وفقدان حاستي التذوق والسم، وصعوبة التنفس، وهي أعراض قد تأتي مجتمعة أو متفرقة. 

تحدث أغلب المضاعفات بسبب الخلل الناتج عن تكاثر الفيروس داخل الخلايا الرئوية، وما يتبعه من رد فعل للجهاز المناعي، إذ تتحرك ملايين الخلايا المناعية لتهاجم الأنسجة المحتوية على الفيروس، والخلايا المصابة ما يسبب دمارًا بالغًا للرئة. وتشير بعض الشواهد إلى احتمالية استهداف الفيروس لأنواع أخرى من الخلايا مثل الخلايا المبطنة للأوعية الدموية، وخلايا القلب والكلى. ومازالت الأبحاث جارية لفهم المزيد عن أشكال الضرر الناتج عن الإصابة بالفيروس.

مواجهة المرض

تسبب فيروس كورونا الجديد في توقف شبه تام لجميع الأنشطة البشرية على مستوى العالم، إذا أغلقت الدول حدودها ومطاراتها، وأصدر حكومات كثير من الدول قرارتها ببقاء الجميع في المنازل إلا في حالات الضرورة القصوى. ولم تكن الدول العربية بعيدة عن هذا، وقد كان أبرز القرارات المتخذة هي تعليق الدخول إلى المملكة العربية السعودية لأغراض دينية، وهو ما تم تخفيف لاحقًا ليتم فتح الباب أمام أعداد محدودة من داخل البلاد لأداء الحج والعمرة (أنظر: التسلسل الزمنى للمرض).

وقد تباينت استجابة الدول في منطقة الشرق الأوسط لجائحة مرض فيروس “سارس- كوف- 2″، ما بين غلق كامل أو جزئي، وتعليق الأنشطة المختلفة، وغلق أماكن التجمع المختلفة، فضلًا عن توفير خدمات إلكترونية لتوعية المواطنين بوسائل الوقاية وإتاحة بيانات الإصابات والوفيات. (أنظر: كيف واجه الشرق الأوسط فيروس كورونا). 

الخروج من الحظر

في ظل الركود الاقتصادي الذي يشهده العالم بسبب جائحة “كوفيد- 19 “، أصبح من الضروري إيجاد طريقة لتخفيف قيود الحظر بما يسمح بالعودة للحياة الطبيعية. وفي هذا الصدد يضع علماء الوبائيات السيناريوهات المختلفة لتخفيف قيود التباعد الاجتماعي، في توقيتات مختلفة، وكيفية السيطرة لمنع انتشار المرض والضغط على الأنظمة الصحية. (أنظر: سيناريوهات تخفيف الحظر).

إن أحد أهم المؤشرات التي تنبئ بإمكانية انتشار عامل معد هو “عدد التكاثر الأساسي” R0، وهو متوسط عدد الإصابات الثانوية التي يسببها فرد واحد مصاب عند إدخاله في مجموعة قابلة للتأثر بالعدوى، أي في بداية الوباء. بالنسبة إلى SARS-CoV-2، تم تقدير R0 ما بين 2 و4، ما يعني أن كل شخص مصاب يحتمل أن ينقل العدوى إلى ما بين شخصين إلى أربعة أشخاص آخرين في المتوسط، في غياب أي تدخلات. وعندما يزيد عدد التكاثر الأساسي لأي عدوى عن 1 فإن هذا يعني أن العدوى سوف تنتشر بدرجة كبيرة، وتسبب وباء، في حين أن العدوى التي يقل عدد التكاثر الأساسي الخاص بها عن 1 (R0 < 1)، فإنها لن تكون قادرة على الانتشار بصورة فعالة وسوف تتلاشى في نهاية المطاف من تلقاء نفسها. ومن ثم، فإن هدف أي تدخل من قبل الصحة العامة، مثل التباعد الاجتماعي، هو تقليل عدد التكاثر الأساسي إلى أقل من 1 للسيطرة على انتشار الوباء.

ومع تقدم الوباء في أي مجموعة بشرية، فإن شريحة صغيرة من هذه المجموعة تكون قد أصيبت وتعافى بعضهم، وبالتالي لم يعودوا معرضين لخطر الإصابة بالعدوى. ويقيس “عدد التكاثر الفعال” Rt متوسط عدد الإصابات الثانوية التي يسببها فرد واحد مصاب عند أي نقطة زمنية خلال الوباء في هذه الفئة التي طورت مناعة بصورة جزئية.

لذا، فإن تخفيف القيود بين فئة معينة من البشر يجب أن يبدأ فقط عندما يتم خفض عدد التكاثر الفعال بنجاح إلى أقل من واحد، وذلك من خلال مزيج من فرض القيود وتطوير أي قدر من مناعة القطيع. وعلى المستوى المثالي، يوصي العلماء بعدم الشروع في تخفيف القيود إلا بعد خفض Rt إلى 0.7، وذلك لتأمين مخزون مضاد لأي زيادة في Rt بعد تخفيف القيود، أي الابقاء على Rt أقل من واحد حتى بعد تخفيف القيود.

ويشير العلماء إلى أن قرار التخفيف التدريجي لقيود التباعد الاجتماعي في الدول التي يتفشى فيها الوباء بشكل كبير يجب يراعي ما إذا كانت البلد بلغت ذروة الوباء بعد أم لا. ويوضحون أن تخفيف القيود قبل أن يصل الوباء إلى ذروته سيكون أمرًا سابقًا لآوانه، وسيؤدي إلى ذروة أكبر للوباء، أي أقصى عدد من الإصابات الجديدة في يوم واحد. وتمثل مصر والمملكة العربية السعودية نموذجين للدول التي يبدو فيها أن الوباء لا يزال في مرحلته المتسارعة في الوقت الذي يجري فيه رفع القيود.

ومن ناحية أخرى، فإن تخفيف القيود بعد الذروة، عندما يكون الوباء قد بدأ في انخفاضه الطبيعي، سيعطي نتائج أفضل برغم الدورة الوبائية المطولة، وهو السيناريو الذي ينطبق على دول مثل قطر والإمارات العربية المتحدة وربما الكويت.

وأخيرًا يضع العلماء تصورًا لما قد تكون عليه حالة الوباء في المستقبل القريب، موضحين أنه بمجرد أن يبدأ الوباء في الانتشار بدرجة كبيرة في فئة معينة من الناس، سيتم فرض قيود التباعد الاجتماعي للسيطرة على الوباء، ومنع تحميل نظام الرعاية الصحية فوق طاقته (الأسهم البرتقالية). سيساعد هذا على قمع الوباء، وسيتبع ذلك تراجعه في غضون فترة قصيرة. وبمجرد السيطرة على الوباء، سيتم رفع القيود تدريجيا (الأسهم الزرقاء).

ونظرًا إلى أن هذه الفئة من الناس لا تزال عرضة للإصابة بالعدوى إلى حد كبير، فمن المرجح أن يعاود المرض الظهور، وأن يبدأ في الانتشار من جديد، وهو ما سوف يتطلب جولة أخرى من فرض القيود. ويقول العلماء إن هذا التناوب بين تخفيف القيود وفرضها سوف يؤدي إلى عمليتي انتشار وقمع تاليتين للوباء؛ لذلك فمن المرجح أن نشهد ذروات متعددة داخل نفس الدورة الوبائية. وسيمارس الفيروس لعبة ’كرة الطاولة‘ في المكان والوقت المناسبين في هذه البلدان، حيث تتباطأ وتيرته ويعاود الظهور مع تكثيف جهود القمع وتخفيف القيود.

من المرجح أن ينطبق سيناريو “كرة الطاولة” على العديد من دول المنطقة، ولكنه قد يكون أكثر وضوحا على الإطلاق في الدول التي نجحت في قمع الوباء إلى حد كبير، وتحقق فيها قدر قليل للغاية من مناعة القطيع منذ بداية الوباء، مثل لبنان والأردن وتونس والمغرب. 

المصدر:https://arabicedition.nature.com/journal/2020/11/15794/%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%86%D8%B9%D8%B1%D9%81-%D8%B9%D9%86-%D9%81%D9%8A%D8%B1%D9%88%D8%B3-%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%9F