Latest:

هل بات علاج فيروس الإيدز متاحاً بعد الشفاء التام لأول حاله موثّقة طبياً ؟

أعلن فريق من الباحثين الأمريكيين عن أول حالة “شفاء عملي” لطفل حديث الولادة مصاب بفيروس “اتش أي في” المسبب لمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز). وقدم الباحثون نتائج عملهم البحثي في مؤتمر علمي (مؤتمر الفيروسات الارتجاعية والعدوى الانتهازية 2013م) في مدينة أتالانتا، عاصمة ولاية جورجيا الأميركية.

أكدت الباحث الرئيسي لهذه الدراسة، عالمة الفيروسات ديبورا بيرسود Deborah Persaud من مركز جون هوبكنز لعلاج الأطفال في بالتيمور إن الشروع في العلاج السريع المضاد للفيروسات للأطفال حديثي الولادة و الذي يبدأ عادة في غضون أيام من الولادة، يساعد الأطفال في الشفاء من الفيروس و يحقق سكونًا طويل الأمد للفيروس، دون الحاجة لتلقي العلاج مدى الحياة. و وصف الباحثون أول حالة موثّقة لطفل (لم يعلن عن اسمه و لا جنسه) في العام الثاني من العمر يتم شفاؤه من فيروس نقص المناعة المكتسبة البشري (الإيدز). تم تشخيص الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة البشري (الإيدز) عند الولادة و تم علاج الطفل (و الذي يبلغ عمره الآن عامين) من المسيسيبي عندما كان حديث الولادة بعقاقير مضادة للفيروسات الارتجاعية Retroviruses في غضون 30 يوماً من الولادة.

في سن 18 شهراً توقف الطفل عن تناول العلاج واختفى من سجلات المتابعة الدورية، و عندما عاد للمتابعة الطبية في سن 23 شهراً و بالرغم من توقفه عن العلاج لمده 5 شهور، وجد الأطباء أن الحَمل الفيروسي لدى الطفل لا يمكن قياسه و بالمتابعة بمجموعة لاحقة من الاختبارات عالية الحساسية تأكد عدم وجود أي أثر لفيروس نقص المناعة المكتسبة البشرى بالطفل. و يعتقد الباحثون أن العلاج المبكر غير المعتاد للرضيع، و الذى كانت أمه مصابة بالفيروس دون أن تعلم، ربما منع تكوين ما يسمى “خزان الفيروسات” و هي خلايا كامنة يمكن أن تغذي العدوى، و التي تجعل من المستحيل علاج المرض.

و لا يمكن للاختبارات الطبية المعيارية الكشف عن فيروس “اتش أي في” في دم الطفل الرضيع في غضون أربعة أسابيع من تلقي العلاج. ولكن تأكيد الشفاء من المرض تم عن طريق بحث مشترك لكشف و توثيق حالات شفاء الأطفال المصابين بفيروس “اتش أي في” ضمّ العديد من الأطباء و الباحثين المعروفين مثل ديبورا بيرسود  و كاثرين لوزيراجا و ستيفن سبيكتور و دوج ريشمان من جامعة كاليفورنيا و سان دييجو و فرانك مالدريللي من معهد السرطان القومي و تشين تاى ووك من المعهد القومي لأمراض الحساسية و الامراض المعدية. و كانت الدكتورة هانا جاى Hannah Gay أخصائية الأطفال في المسيسيبي على دراية بالبحث و المجهود المشترك بين هؤلاء العلماء، لذا قامت بإبلاغ الفريق العلمي فور وصول هذا الطفل إليها، و قد أدّى ذلك إلى التحفيز السريع للباحثين و قيامهم بجميع الاختبارات اللازمة للتأكد من شفاء الطفل بالفعل. و أعلنت عالمة الفيروسات ديبورا بيرسود أن الاختبارات الشاملة قد أكدت دون أدنى شك أن كلاً من الطفل و أمه كانا إيجابيين لفيروس نقص المناعة البشري عند ولادة الطفل، و أكدت أيضاً أنه لا يوجد أثر لأي عدوى بفيروس “اتش أي في” في الطفلة الآن بعد استخدام كل الوسائل العلمية المتاحة، و أكثر الاختبارات الدقيقة ذات الحساسية العالية.

جدير بالذكر أن الحالة الوحيدة المسجلة للشفاء من مرض الإيدز كانت لمريض ألماني يدعى تيموثى براون في عام 2006م، والذي يعرف بمريض برلين و كان ذلك بالمصادفة أثناء تلقيه العلاج من مرض الإيدز، فقد تم تشخيص إصابته بأحد أنواع سرطان الدم “اللوكيميا ” في الوقت نفسه. و قد تمكن طبيبه من علاج “اللوكيميا” عن طريق زرع خلايا جذعية من متبرع لديه تحور جيني منذ الولادة، مما جعله محصنًا من الإصابة بفيروس “اتش أي في”. و بعد عمليه زرع الخلايا الجذعية تم إيقاف علاجه من مرض الإيدز دون أن يؤدي ذلك الى عودة المرض.

و تشير الحالة الحالية للطفل الأمريكي (مريض المسيسيبي) إلى تعدد الإمكانيات المثيرة لشفاء المرضى الإيجابيين لفيروس “اتش أي في” عن طريق استخدام طرائق علاجية متنوعة، فبينما كان شفاء المريض الألماني نتيجة لإجراءات معقده و مكلفه بالغه الخطورة، إلا أن الحالة الجديدة تبدو كنتيجة مباشره لنظام علاجي أقل تكلفه من مضادات الفيروسات الارتجاعية. و تقدر الأمم المتحدة أن عدد المصابين الجدد وصل إلى 330,000 طفل في عام 2011، و هو العام الأخير الذي تتوافر عنه بيانات مؤكدة، و أن أكثر من ثلاثة ملايين طفل على مستوى العالم مصابون بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة.

وبناء على طريقة العلاج الجديدة، وتوثيق أول حالة للعلاج من الإيدز في الأطفال، ينصح العلماء بإجراء المزيد من البحوث عن الجهاز المناعي للأطفال حديثي الولادة ودراسة الاختلافات المناعية بينهم و بين البالغين، والتعرف على العوامل التي جعلت من الممكن ان تشفى الطفلة تماماً. كما ألقت حالة الطفل الأمريكي الضوء على أهمية التعرف على الأمهات الإيجابيات الحاملات لفيروس نقص المناعة المكتسبة البشري، وأهمية توسيع نطاق الوصول للأدوية التي تمنع انتقال العدوى من الأم إلى الطفل و ضرورة علاج الأطفال حديثي الولادة بأدوية مضادة للفيروسات الارتجاعية في حالة ولادتهم مصابين بمرض نقص المناعة المكتسب. وكان تقريراً صادراً عن منظمة الصحة العالمية و اليونيسيف و برنامج الأمم المشترك لمكافحة الإيدز قد كشف عن أنّ المعالجة بالأدوية المضادة للفيروسات الارتجاعية (القهقرية) كانت متاحة، في أواخر عام 2008، لأكثر من أربعة ملايين نسمة في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل، ممّا يمثّل زيادة بنسبة 36% في غضون عام واحد وزيادة بنسبة عشرة أضعاف على مدى خمسة أعوام. و يُظهر هذا التقرير التقدم العظيم الذي أُحرز في التصدي للإيدز و العدوى بفيروسه على الصعيد العالمي.

ولكن خدمات العلاج والرعاية التي تسهم في إطالة الأعمار ليست متاحة بعد لما لا يقلّ عن خمسة ملايين من المتعايشين مع فيروس الإيدز حسب تصريح الدكتورة مارغريت تشان، المديرة العالمة لمنظمة الصحة العالمية. كما أنّ خدمات الوقاية لم تتمكّن من بلوغ العديد من الناس الذين هم بحاجة إليها. و عليه لا بدّ للحكومات والهيئات الدولية الشريكة من تسريع الجهود التي تبذلها من أجل إتاحة العلاج للجميع. وللأسف، فعلى الرغم من التقدم المُحرز لعلاج المرض في الآونة الأخيرة، فإنّ فرص الحصول على خدمات العلاج لا تزال بعيدة كل البعد عن المستوى المطلوب لتلبية جميع الاحتياجات. كما يتم تشخيص المرض لدى كثير من المرضى في مراحل متأخّرة من تطوّر المرض، ممّا يؤدي إلى تأخير بدء استفادتهم من المعالجة بالأدوية المضادة للفيروسات الارتجاعية وارتفاع معدلات الوفاة في العام الأوّل من العلاج. و لكن مازالت فرص الحصول على المعالجة بالأدوية المضادة للفيروسات الارتجاعية تشهد اتساعاً بوتيرة سريعة.

كما تنبئ الحالة الأخيرة بأن العلاج الناجع لمرض نقص المناعة المكتسبة البشري قد يأتي بطريقة لم نكن نتوقعها أبداً بعد أن حير العلماء لسنوات طويلة، و نأمل أن تكون هذه الحالة بداية عملية لعلاج العديد من الأطفال من مرض الإيدز في الأيام القادمة.

المصدر:
http://arsco.org/article-detail-388-2-0