تعرف على كيفية انتشار فيروس كورونا على الطائرة وأكثر أماكن الجلوس أمانًا
تفتح الرحلات العالمية الباب أمام تفشي الأمراض ومنها فيروس كورونا والإنفلونزا، ولكن أيهما أخطر؟ وكيف يمكنك الحفاظ على سلامتك؟
عند انتشار أحد الأمراض، من الطبيعي أن يساورك القلق من ركوب الطائرات، ويزداد الحذر في حال انتشار اثنين من الفيروسات الخطرة في آن واحد.
يقع العالم تحت وطأة الفيروس الجديد الذي بدأ في الصين وانتشر بعد ذلك إلى أكثر من 85 دولة بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية. إضافة إلى ذلك، فإننا في موسم انتشار مرض الإنفلونزا الذي تسبب حتى الآن في وفاة 18,000 شخص في الولايات المتحدة الأمريكية.
بدأت المطارات الكبرى حول العالم فحص الركاب للكشف عن فيروس كورونا، فيما قطعت أكثر من ثلاثين من شركات طيران بما فيها، خطوط دلتا الجوية، والخطوط الجوية الأمريكية، والخطوط الجوية المتحدة، رحلاتها إلى الصين وغيرها من المناطق المتضررة من الأزمة. بيد أن هذه التدابير قد لا تكون كافية للشخص الذي يتحتم عليه ركوب الطائرة.
وبعد ذلك، فإنه يمكنك تجنُّب أي شخص مصاب بالسعال أثناء الوقوف في الصف في أحد المقاهي، غير أنك بالطبع ستواجه مصيرك الحتمي بمجرد ربط حزام مقعدك داخل هذه العلبة المعدنية -الطائرة.
ما يزال هناك الكثير لاكتشافه بشأن انتشار الوباء؛ إذ توصَّل العلماء إلى قدر قليل من المعلومات عن الفيروسات المشابهة لفيروس كورونا وغيره من فيروسات الجهاز التنفسي مثل الإنفلونزا. كيف انتشرت هذه الفيروسات، وبالتحديد على متن الطائرات؟ وما مدى خطورة فيروس كورونا مقارنة بغيره من الفيروسات مثل الإنفلونزا؟ هلم بنا لنتعرف عليها.
كيف تنتشر أمراض الجهاز التنفسي بصورة عامة؟
إذا كنت بطبيعة الحال تغطي أنفك وفمك بذراعك عند السعال أو كنت تدير ظهرك إلى زميلك المصاب بسعال حاد، فأنت على دراية بأساسيات انتشار أمراض الجهاز التنفسي.
عندما يبدأ شخص السعال أو العطس، تتناثر منه قطرات من اللعاب أو المخاط أو غير ذلك من الرذاذ. إذا سقط أي من هذا الرذاذ عليك أو إذا لامسته ثم لامست وجهك بعدها، فقد تصبح في تِعداد المصابين.
لا ينتقل هذا الرذاذ من خلال الهواء المتدفق في مكانٍ ما، ولكنه يسقط بالقرب من مصدر إطلاق الرذاذ. حسبما أفادت إيميلي لاندون -المدير الطبي المعني بالإشراف على مضادات الميكروبات ووحدة مكافحة العدوى في كلية الطب بجامعة شيكاغو- فإن الإرشادات التوجيهية للمستشفى بشأن الإنفلونزا تُحدد منطقة التعرُّض على أنها ستة أقدام من الشخص المُصاب لمدة 10 دقائق أو تزيد عليها.
تضيف لاندون قائلةً “الوقت والمسافة أمران في غاية الأهمية”
تنتشر أمراض الجهاز التنفسي من خلال الأسطح التي يسقط عليها الرذاذ، على سبيل المثال: مقاعد الطائرات وطاولات تقديم الطعام. يعتمد استمرار تأثير هذا الرذاذ على طبيعة القُطيرات سواءً كان لُعابًا أو مخاطًا، وعلى السطح سواءً كان مساميًّا أو غير مسامي. يختلف استمرار فاعلية الفيروسات على الأسطح بدرجات كبيرة قد تمتد من ساعات إلى أشهر.
هناك دليل أيضًا على أن الفيروسات التي تصيب الجهاز التنفسي يمكن أن تنتقل عبر الهواء على هيئة جسيمات دقيقة وجافة تُعرف بالرذاذ. ولكن، وفقًا لما أفاد به أرنولد مونتو أستاذ علم الأوبئة والصحة العامة في جامعة ميشيغان، فإن آلية انتقال الرذاذ عبر الهواء ليست هي الآلية الرئيسية.
يضيف أرنولد قائلًا: “حتى يستمر تأثير هذا الرذاذ، يجب أن تظل الفيروسات على قيد الحياة في تلك البيئة خلال فترة التعرض إليها وحتى جفافها”. قد تصبح الفيروسات رطبة أيضًا قد تقل فرص إصابة الكثيرين تدريجيًا إذا تُرك جافًا لفترةٍ طويلة.
ماذا يعني ذلك للطائرات؟
تُعرِّف منظمة الصحة العالمية نطاق ملامسة شخص مصاب بالجلوس في أحد المقاعد لصفين متتاليين.
لا يكتفي المسافرون بمجرد الجلوس في الطائرات وحسب، لا سيما إذا كانت الرحلة تستغرق وقتًا طويلًا؛ بل يمكنهم استخدام المرحاض، وتمديد أرجلهم، وإحضار أشياء من الأدراج العلوية. الواقع أنه في عام 2003، عندما تفشَّى فيروس الكورونا المُسبب لمتلازمة الجهاز التنفسي الحاد (سارس)، أصاب مسافرٌ على متن رحلةٍ متجهة من هونج كونج إلى بكين أشخاصًا آخرين خارج نطاق الصفين اللذين حددتهما منظمة الصحة العالمية. مجلة نيو إنجلاند الطبية أشارت إلى أن معايير منظمة الصحة العالمية “أسقطت 45% من المرضى المصابين بالسارس”
هذه الحالة أوحت لفريق الباحثين في مجال الصحة العامة ببدء البحث في مدى تغيير الحركات العشوائية في كابينة الطائرة في احتمالية إصابة الركاب بعدوى.
تقل احتمالية احتكاك المسافرين الجالسين في المقعد الموجود بجانب النافذة مع أحد الأشخاص المصابين. احتمالية الاحتكاك المباشر مع شخص مصاب
…. لكن من المرجح أن ينقل المرض فقط إلى المسافرين الجالسين في مقاعد الصف الواحد بدون أطفال.
رصد “فريق أبحاث فلاي هيلث” سلوكيات الركاب وطاقم الطائرة في 10 رحلات أمريكية عابرة للقارات تستغرق بين ثلاث ساعاتٍ ونصف إلى خمس ساعات تقريبًا. بقيادة فيكي ستوفر هيرتزبيرج و هوارد ويس من جامعة إيموري، لم يقتصر رصد السلوكيات على حركة الأفراد في الكابينة، وإنما تأثير ذلك على عدد مرات ملامسة الآخرين والمدة الزمنية. أراد الفريق أن يضع تقديرًا لقُرب المسافة التي يمكن خلالها انتقال العدوى أثناء رحلة طيران عابرة للقارات.
يقول ويس أستاذ العلوم الرياضية والأحياء جامعة ولاية بنسلفانيا “لنفترض أنك جالس في مقعد ناحية الممر أو في مقعدٍ في الوسط، ثم مررتُ بجانبك لأذهب إلى المرحاض” “ستصبح بذلك قريبًا من منطقة الملامسة، أي أننا سنصبح في نطاق متر واحد. وبذلك إذا كنتُ مصابًا، فسأنقل العدوى إليك. كان البحث الذي أجريناه هو الأول من نوعه لتقدير هذه المسافة”.
كشف البحث الذي أُجرى عام 2018 أن أغلب مسافري الرحلات المتوسطة المسافة يغادرون مقاعدهم عند نقطةٍ ما، في المُجمل عند استخدام المرحاض أو تفقُّد شيء ما في كابينة الحقائب. بوجهٍ عام، 38% من المسافرين يغادرون مقاعدهم مرة واحدة، بينما يغادر 24% من الركاب مقاعدهم أكثر من مرة. أما 38% من المسافرين الباقين فيظلون في مقاعدهم طوال مدة الرحلة.
يساعد هذا النشاط في تحديد أماكن الجلوس الأكثر أمانًا. المسافرون الذين تقل احتمالية نهوضهم من المقاعد هم الجالسون في المقعد بجانب النافذة: يتحرك 43% منهم فقط مقارنة 80% من الجالسين في المقعد ناحية الممر.
ومن ثم، يصبح ركاب المقاعد بجانب النافذة أبعد عن مصدر العدوى مقارنةً بركاب المقاعد الموجودة ناحية الممر؛ إذ إن متوسط الملامسة تصل إلى 12 مرة مقارنة بعدد الملامسات التي تصل إلى 58 و64 على التوالي للركاب في المقاعد الوسطى والمقاعد الموجودة ناحية الممر.
إن اختيار المقاعد الموجودة بجانب النافذة والبقاء جالسًا يُقلل من احتمالية ملامستك الأشخاص المصابين بعدوى. ولكن كما تلاحظ من الصورة الموضَّحة، يعرض النموذج الذي توصَّل إليه الفريق أن الركاب في المقاعد الوسطى والمقاعد الموجودة ناحية الممر -حتى الذين يقعون في نطاق الصفين اللذين حددتهما منظمة الصحة العالمية- تقل احتمالية إصابتهم بالعدوى بنسبةٍ ضئيلة.
يضيف ويس أن السبب يرجع إلى أن أغلب حالات ملامسة الأفراد على متن طائرة تستغرق وقتًا قصيرًا. “إذا كنت جالسًا في مقعد ناحية الممر، حتمًا سيمر بجانبك بعض الأفراد،، ولكنهم سيتحركون سريعًا” “إجمالًا، ما نوضحه هو أن هناك احتمالية ضعيفة نوعًا ما لانتقال العدوى إلى أي راكب بعينه”.
ولكن الأمر يختلف إذا كان الشخص المريض هو أحد أفراد طاقم الطائرة. لأن طاقم المضيفين يقضون فترة أطول في السير في ممر الطائرة والتفاعل مع الركاب، بذلك تزداد احتمالية أن يصبحوا أكثر قربًا من الركاب ولفترةٍ أطول. كما أشار البحث إلى أن وجود فرد مريض في طاقم الطائرة يعنى احتمالية إصابة 4.6 من الركاب بالعدوى، “ومن ثمَّ، يصبح لزامًا منع فرد الطاقم المريض من الصعود على متن الطائرة”.
إلامَ يشير ذلك بخصوص فيروس كورونا الجديد؟
كما يشير وايس، فنحن لا نعرف بعد الطريقة التي يفضل هذا الفيروس الانتقال بها. أول طريقة للانتشار هي الرذاذ التنفسي، ثم الاتصال المادي باللعاب أو الإسهال ثم من خلال التناول عبر الفم للمواد الفيروسية أو ربما عبر الهواء.
ينوه وايس إلى أن هذا النموذج لا يضع في الحسبان انتقال الفيروس عبر الهواء، لكن فريق “فلاي هيلث” يأمل في متابعة بحث هذا الموضوع في المستقبل. يحذر الباحثون في هذه الدراسة أيضًا من أن هذا النموذج لا ينطبق على الرحلات الطويلة أو الطائرات التي بها أكثر من ممر.
توافق لاندون على أننا لا نعرف بعد كيف ينتقل فيروس كورونا، لكنها تعتقد أن نتائج الدراسة تنطبق عليه، فكل فيروسات كورونا السابقة كانت تنتقل عبر القُطيرات ولا تعتقد أن هذا الفيروس الجديد سيختلف عنها. وبالفعل، يتشابه فيروس كورونا الجديد مع فيروس المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس). فكلاهما حيواني المصدر أي أنه ظهر في الحيوانات أولًا ثم انتقل إلى البشر، وقد ظهر كلاهما أولًا لدى الخفافيش. وينتقل الفيروسان بين البشر، وفترة حضانة كليهما طويلة تصل إلى 14 يومًا بالنسبة إلى فيروس كورونا القادم من ووهان وذلك مقارنةً بيومين فقط للإنفلونزا مما يعني أنه قد يصاب البشر به وينقلونه إلى الآخرين دون أن تظهر عليهم أي أعراض.
وبناءً على كل ذلك، تُوصي لاندون باتباع إرشادات مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها أثناء الوجود على متن الطائرة.
تشمل تلك الإرشادات: غسل اليدين بالصابون العادي، أو استخدام معقم لليدين يحتوي على كحول بعد لمس أي أسطح، خاصةً مع وجود أدلة على قدرة الفيروس على الحياة على الأسطح لفترة أطول من الأمراض الأخرى إذ تتراوح بين 3 إلى 12 ساعة.
كما يجب عليك أن تتجنب لمس وجهك أو أن تتصل مع أي شخص يعاني من السعال بأي طريقة كانت.
أيهما أسوأ فيروس كورونا أم فيروس الإنفلونزا؟
يمكن تقيم أضرار الإصابة بالمرض بأكثر من طريقة، لكننا سنلقي الضوء على عددين يستخدمهما الباحثون في مجال الصحة العامة بكثرة: عدد التكاثر الأساسي ونسبة الوفيات بين الحالات.
يُشير عدد التكاثر الأساسي—”الدلالة آر” R-noughtأو R0— إلى الأشخاص الذين نُقلت إليهم العدوى من شخص مُصاب. وقد أولت الدكتورة مايا ماجومدر -عضو هيئة التدريس في مستشفى بوسطن للأطفال وكلية هارفارد الطبية- هذه النقطة اهتمامًا بالغًا.
وتشيرالنتائج الأوَّلية التي توصلت إليها إلى أن معدل قابلية انتقال فيروس كورونا يتراوح بين 2.0 إلى 3.1 أشخاص. وذلك يفوق معدل قابلية انتقال فيروي الإنفلونزا الذي يبلغ—1.3 إلى 1.8— ولكن مماثل لفيروس سارس الذي يبلغ عدد تكاثره الأساسي من 2 إلى 4 . ومن ثم؛ فإن فيروس كورونا يعد قابلًا للانتشار بين الأشخاص بشكل أكبر قليلًا.
إن معدل الإماتة بين الحالات -أو معدل الوفيات الناتجة عن الإصابة بالمرض- هو عدد الأشخاص الذين ماتوا من جرَّاء الإصابة بالمرض مقسومًا على عدد الأشخاص الذين أُصيبوا بالعدوى ومع أن الإنفلونزا الموسمية قد صُنفت على أنها وباء عالمي، فإن عدد الوفيات الناتجة عن الإصابة بها قليلة نسبيًّا، حيث يبلغ معدل الإماتة بين الحالات نسبة 0.1. ويرجع سبب كون الإنفلونزا من حالات الطوارئ في الصحة العامة سنويًّا إلى أنها تُردي ملايين الأشخاص—بلغت حالات الإصابة في عامي 2018 و2019 35.5 مليون حالة، مما أدى إلى ضرورة إدخال حوالي 490,000 حالة المستشفى وبلغ عدد الوفيات 34,200 حالة. ولذلك،دائمًا يوصي مسؤولو الصحة العامة بأخذ لقاح الإنفلونزا.
يُسهم معدل الإماتة بين الحالات في إيضاح السبب وراء إرسال وكالات الصحة العامة تنبيهات بشأن تفشي الإصابة بفيروس كورونا. ويبلغ معدل الإماتة بين الحالات لفيروس سارس نسبة 10%، ما يعادل 100 ضعف فيروس الإنفلونزا، في حين أن معدل الإماتة بين الحالات لفيروس كورونا يبلغ تقريبًا نسبة3%، ما يساوي نسبة تفشي وباء الإنفلونزا الإسبانية عام1918. .
وإذا تمكن فيروس سارس أو فيروس كورونا الذي ظهر في مدينة ووهان من الوصول إلى الملايين من الأشخاص فسيكون تأثيره مدمرًا وتقول لاندون، خلافًا للإنفلونزا، فإن كل الأشخاص معروضون للإصابة بفيروس كورونا لأنه لم تقع حالات إصابة بهذا الفيروس في السابق— وليس له علاج محدد كلقاح مثلًا.
ويعتمد مسؤولو الصحة وكذلك العامة على اتباع طرق الوقاية من العدوى مثل غسل اليدين وتقليل الاحتكاك مع الأشخاص المصابين والمحاجر الصحية. ويعتقد مونتو أن هذه التدابير الوقائية الخاصة بالصحة العامة قد تسهم في عكس تأثير فيروس كورونا كما حدث سابقًا في حالة فيروس سارس.
ويقول مونتو: “إننا نامل أن نتمكن من احتوائه عن طريق اتباع قواعد الصحة العامة—لأن هذا ما يسعنا فعله”. “فنحن نمتلك لقاحات ضد الإنفلونزا وبعض مضادات الفيروسات. و لكننا لا نمتلك أي شيء ضد فيروس كورونا”
ملاحظات للمحررين: نشرت هذه القصة في الأصل في 28 من يناير عام 2020. وجرى تحديثها لبيان الإحصاءات الحديثة وكذلك بيان أخبار إلغاء رحلات الطيران.
المصدر:http://www.natgeotv.com/ae/page/heres-how-coronavirus-spreads-on-a-plane