المضادات الحيوية
المضادات الحيوية هي مواد تفرزها بعض أنواع من البكتيريا والفطريات، التي لها المقدرة على قتل، أو تثبيط نمو
الجراثيم. والمضادات الحيوية هي أكثر الأدوية شيوعاً لعلاج الإنسان من معظم الأمراض المعدية، أو مضاعفاتها.
ويضيف العلم، كل يوم، جديداً في مجال المضادات الحيوية. ومن أحدث هذه الاكتشافات، استعمال بعض المضادات
الحيوية، لتحقيق الشفاء التام، من بعض الأورام السرطانية.
ويذكر التاريخ للقدماء المصريين، أنهم أول من اكتشف استخدام العفن في علاج الجروح، إذ كانوا يضعون مسحوق
العفن الموجود على الخبز، أو قماشاً مبللاً بماء البرك الراكد الآسن، على الجروح فتشفى. وفي منتصف القرن التاسع
عشر، لاحظ العالم الفرنسي لويس باستير (Louis Pasteur)، أن ميكروب الجمرة الخبيثة، القاتل للإنسان والحيوان، لا
يستطيع النمو في المعمل، إذا تلوثت الآنية، التي تحتويه بالعفن الموجود في الجو، والتربة الزراعية. وتوصل إلى
النتيجة عينها في الوقت نفسه، العالم الإنجليزي ويليام روبرتس (William Roberts) ، الذي كتب مندهشاً في عام
1874، أن أنواعاً كثيرة من البكتيريا، لا تنمو في وجود فطر البنسيليوم (Penicillium glaucum). وظل هذا الاكتشاف
حبيس الكتب القديمة، حتى عام 1928؛ حين لاحظ العالم الإنجليزي سير الكسندر فلمنج (Alexander Fleming)، أن
أحد الفطريات من نوع البنيسيليوم (Penicillium notatum) يفرز مادة، أطلق عليها “بنسيلين”، قادرة على قتل
البكتيريا الموجودة حولها .
وقد أيقن فلمنج أن لمادة البنسيلين مقدرة على علاج أمراض الإنسان، إلا أن صعوبة تنقية مادة البنسيلين من العفن،
حالت دون قيامه بمزيد من التجارب.
وفي أواخر الثلاثينيات، قام العالمان الإنجليزيان إرنست شين (Ernst Chain)، وهوارد فلوري (Howard Flory)،
بتنمية فطر من نوع البنيسيليوم (Penicillium chrysogenum) في صورته النقية .
ثم استخلصا كميات صغيرة من مادة البنسيلين. وكان أول من شُفي باستخدام البنسيلين هو رجل شرطة إنجليزي،
كان مصاباً بحمى بكتيرية.
وفي عام 1944، أجرى العالم الأمريكي سلمان واكسمان (Selman Waksman)، عدداً من التحاليل على
10.000 عينة، أخذت من التربة، تم خلالها عزل عديد من البكتيريا والفطريات. ولاحظ واكمان ومساعدوه أن أحد هذه
الفطريات، هو فطر الإستربتوميسيس، يفرز مادة قاتلة للبكتيريا، أطلق “الإستربتوميسين” (Streptomycin)، وقد كان
لاكتشاف هذه المادة ضجة كبيرة، في ذلك الوقت، نظراً إلى قدرتها على قتل بكتيريا السل، فاستخدم في علاج الدرن الرئوي.
ثم توالى اكتشاف المضادات الحيوية، بعد ذلك، حتى صار عددها الآن 70 مضاداً حيوياً مستخدماً في علاج أمراض
الإنسان، فضلاً عن تمكن العلماء من تخليق عدد كبير من المضادات الحيوية كيميائياً.
ويروق للبعض أن يصف المضادات الحيوية بأنها “معجزة العقاقير”. وذلك بسبب استخدامها، في علاج الأمراض
البكتيرية، التي عانت منها البشرية طويلاً، مثل: السل، والتهاب الأغشية السحائية، والزهري، والعدوى بالبكتيريا
السبحية، والعنقودية. كما تم اكتشاف مضادات حيوية أخرى، تستخدم حالياً في علاج الدوسنتاريا الأميبية، والأمراض
الفطرية.
وتقتل المضادات الحيوية، البكتيريا الضارة بالإنسان، عن طريق عملية كيميائية، يمنع فيها المضاد الحيوي، هذه
البكتيريا من بناء جدارها الواقي. في الوقت الذي لا يؤثر فيه المضاد الحيوي على خلايا الإنسان، نظراً إلى اختلاف
تركيب جدر هذه الخلايا كيميائياً عن مثيلتها في خلايا البكتيريا والفطريات، أو تحول دون تكاثرها أو تخليق البروتين
اللازم لها، وإنتاج الطاقة.
وبعض المضادات الحيوية تقتل البكتيريا، عن طريق إيقاف بعض أنشطتها الحيوية، مثل: بناء إنزيم هام، أو جزء
معين، من أجزاء الخلية. ولحسن الحظ أيضاً فإن المضادات الحيوية، لا تؤثر على أنشطة خلايا الإنسان.
إلا أنه ظهرت أنواع من المضادات الحيوية، تستطيع أن تتدخل في انقسام خلايا البشر، عن طريق منعها لانقسام
المادة الوراثية د ن أ (DNA). وقد استغل الأطباء هذه الخاصية الفريدة، فصارت بعض المضادات الحيوية العلاج الأمثل،
لبعض سرطانات الدم.
وتعتبر المضادات الحيوية من أكثر العقاقير أماناً، إذا استخدمت طبقاً للإرشادات الدوائية المرافقة لها. إلا أنه،
للأسف، توجد بعض الآثار الجانبية، للاستخدام المتكرر، للمضادات الحيوية.
وتعتبر حساسية بعض المرضى للمضادات الحيوية، من أخطر الآثار الجانبية المحتمل حدوثها. وتتراوح أعراض
الحساسية من طفح جلدي خفيف، إلى ارتفاع في درجة الحرارة. إلا أنه، في بعض الحالات، قد تؤدي الحساسية، إلى
إيقاف التنفس، ثم الوفاة المفاجئة، عقب تناول المضاد الحيوي.
ويعد البنسيلين من أكثر المضادات الحيوية المعروفة بإحداثها حساسية قاتلة، قدرت بحوالي 10 % من المرض
الذين يتعاطونه، لأول مرة.
ولا تستطيع المضادات الحيوية التمييز بين البكتيريا الضارة أو النافعة، فهي تقتل كليهما بنفس الكيفية. ولذا فإنه
من الواجب تعاطي الفيتامينات، عند تناول المضادات الحيوية بطريق الفم، إذ أنها تقتل بكتيريا الأمعاء النافعة، التي
تمد الإنسان باحتياجاته من بعض الفيتامينات، مثل مجموعة فيتامين (B) .
وقد يسبب تناول المضادات الحيوية أضراراً جسيمة، فمثلاً: يسبب الستربتوميسين فشلاً كلوياً لدى بعض
المرضى، كذا يسبب صمماً دائماً مع مرضى آخرين.
والاستعمال الصحيح للمضادات الحيوية لا يتأتى إلا عن طريق إجراء اختبارات حساسية للميكروب المسبب
للمرض، لمعرفة أكثر المضادات فعالية، ضده. ولإجراء هذا الاختبار، تعزل البكتيريا من جسد المريض على منابت
خاصة، ثم تضاف على هذه المنابت أقراصاً صغيرة، كل قرص مشبع بمحلول أحد المضادات الحيوية، فتنمو البكتيريا
في جميع أنحاء المنبت، إلا بجوار الأقراص المشبعة بالمضادات الحيوية .
وعليه يستخدم المضاد الحيوي الذي سبب أكبر تثبيط لنمو البكتيريا، في علاج المريض. وهذه الوسيلة هي الطريقة
العلاجية السليمة الوحيدة، وأن ما عداها يمكن أن يؤدي إلى تناول عشوائي للمضاد الحيوي، بحيث لا يؤدي إلى الأثر
المطلوب.
وتعد مناعة الميكروبات المختلفة ضد المضادات الحيوية من الظواهر الشائعة. وتنشأ عندما يفرز الميكروب
إنزيمات تحطم المادة الفعالة، في المضاد الحيوي، أو يغير من قدرة المضاد الحيوي على النفاذ داخله. وبعض
الميكروبات لها قدرة على ضخ أهداف تبادلية، لتضليل المضاد الحيوي، وبعضها الآخر يتحور، ليغير طريقة تمثيلها للدواء
بداخلها، لتفادي فاعليته وتأثيره القاتل عليها. وقد تضع بعض الميكروبات إنزيمات بديلة، ليتفاعل معها المضاد الحيوي
، بعيداً عن إنزيمات الميكروب نفسه.
وقد تنتقل مناعة الميكروبات، ضد مضاد حيوي بذاته، إلى مضاد حيوي آخر يتشابه معه في الأساس الكيميائي،
أو يتشابه معه في طريقه التعامل مع إنزيمات الميكروب نفسه.
وتختلف طريقة تحضير المضادات الحيوية اختلافاً بيناً ، فهناك مضادات حيوية حديثة، تحضر من العفن الذي ينمو على الخبز أو الجبن.
وبعضها الآخر يخلق، بإجراء عمليات إحلال في السلسلة الجانبية في الجزيء، لجعلها ملائمة لتناولها عن طريق الفم،
بدلاً من الحقن في العضل أو الوريد بطريقة آمنة، أو لجعلها أطول مفعولاً. كما أمكن تخليق بعض المضادات الحيوية
تخليقاً صناعياً كاملاً، فأمكن توفيرها وتخفيض سعرها.
وتعطى المضادات الحيوية على هيئة شراب، أو كبسولات، أو أقراص، أو أقماع شرجية (لبوس)، أو حقن في
العضل أو الوريد، أو تدهن كمراهم، أو كريمات، أو تعطى كنقط في الأذن، أو قطرة للعين، أو مس للفم.
وتؤخذ المضادات الحيوية، بصفة عامة عند خلو المعدة، لتسهيل، وإسراع امتصاصها. ويستثنى من هذا
الكلورمفينكول، الذي يتناوله المريض بعد الأكل، وعلى الرغم من أن التتراسيكلين والأرثرسلين يكون مفعولهما دائماً
أفضل إذا تعاطاهما المريض قبل الأكل، إلا أنهما يُعْطيان بعد الأكل لأنهما يسببان تهيجاً لأغشية المعدة.
الآثار الجانبية للدواء
تسبب معظم الأدوية آثاراً جانبية ضارة، تؤثر على كفاءة بعض الأجهزة الأخرى في جسم الإنسان. ويعرف الأطباء
هذه الآثار، ويفضل معظمهم إعلام المريض بها، حتى
لا يفاجأ بها بعد تناول الدواء. وقد درجت شركات إنتاج الأدوية على أن ترفق مع الدواء نشرة تحوي معلومات عن تركيب الدواء، ودواعي استعماله، وآثاره الجانبية، حتى يكون المريض على بينة من أمره عن تناوله.
وفيما يلي بعض الأمثلة للآثار الجانبية وأثرها على كل جهاز .
هناك أدوية تؤثر على الجهاز الهضمي، مثل بعض المسكنات، وأدوية السرطان والسكر؛ حيث تولد هذه الأدوية
إحساساً بالغثيان وقيء. كما تسبب أدوية الروماتيزم نزيفاً وقرحة المعدة. أما أدوية السكر، مثل: الجلوكوفاج، الذي
يقلل من كفاءة الأمعاء وقدرتها على الامتصاص. كذا الأدوية المعالجة لارتفاع الضغط، والمضادات الحيوية، تسبب
إسهالاً، يصعب التحكم فيه أحياناً. وعلى النقيض، يسبب الأتروبين، والكودايين، وأدوية علاج مرض الشلل الرعاش،
إمساكاً شديداً.
وهناك نوع من الأدوية يؤثر على الجهاز التنفسي، مثل حبوب منع الحمل، التي تسبب انسداداً في أوعية الرئة
الدموية. كذا تسبب المنومات والمخدرات هبوطاً في سرعة التنفس.
وهناك نوع ثالث يسبب صداعاً، مثل الإندوسيد، والفياجرا. وهناك أدوية كثيرة تسبب اكتئاباً نفسياً لمتعاطيها
، مثل: الأدوية التي تعالج ارتفاع ضغط الدم، والكورتيزون، والإندوسيد.
أما العين، فلم تسلم من الضرر، نتيجة استعمال بعض الأدوية، لفترات طويلة. فالكلوروبرومازين، مثلاً، يسبب
عَتَمةً في عدسة العين (Cataract). أما استخدام الإنفرانيل، لفترات طويلة، فقد يؤدي إلى انفصال الشبكية في بعض
المرضى.
كما أن هناك أدوية تسبب صمماً وطنيناً في الأذن، ودواراً (Vertigo)، مثل: الجنتاميسين، والستربتومايسين،
وأملاح الذهب، والسلسلات، والكينين، والكيندين، والإدكرين، واللازكس إذا حقن سريعاً في الوريد.
ومن الأدوية ما يسبب هشاشة ونخراً بالعظام، مثل: الهيبارين، مع طول الاستعمال، وهناك أدوية أخرى تسبب
التهاب المفاصل، مثل: الباراميزان (PAS)، المستخدم في علاج الدرن. وهناك أدوية تسبب فقر الدم، نتيجة للنزيف في
الجهاز الهضمي، مثل: مشتقات البيوتازون، والإندوسيد، والأسبرين بجرعات كبيرة. أما الأدوية المدرة للبول، فغالباً ما
تقلل من تركيز البوتاسيوم في الدم.
ومن الملاحظ كذلك أن بعض الأدوية تلون الجلد، مثل: ميباكرين، وسبارين، ودوجماتيل، وستلازين، وموديتين،
ومللريل، وتراي لافون، وحبوب منع الحمل، والمعادن الثقيلة كالرصاص، والزرنيخ، وإيبانوتين. وهذه الأدوية تصبغ جلد
الوجه على وجه الخصوص. لهذا يحبذ للمرأة، إذا استعملت هذه الأدوية، أن تقوم بوضع مساحيق عازلة ثقيلة على
الوجه، لمنع تفاعل أشعة الشمس معها.
كما أن هناك أدوية تسبب حب الشباب (Acne)، وقشراً في فروة الرأس (Seborrohea)، كالهرمونات
الأندروجينية، والاستيرويدات القشرية، وأملاح البروميد، واليود.
وهناك أدوية تعمل على انتشار وغزارة الشعر، كالأندروجينات، والاسترويدات القشرية، والإيبانوتين، وأدوية
معالجة ارتفاع ضغط الدم، مثل الديازوكسيد . (Diazoxide)
وهناك أشخاص يعانون من الحساسية عند تعرضهم للشمس، وبعد تناولهم بعض الأدوية، مثل: السلفا، فتظهر
بعد ساعة أو ساعتين، حساسية في الأجزاء المكشوفة، مثل: الوجه، أو الرقبة، أو الساعدين، أو الساقين؛ فيصاب
المريض بالتهابات جلدية عنيفة (إكزيما).
ومع تعرض المرضى، الذين يتناولون التتراسيكلين، للشمس، تصاب أظافرهم بالفطريات، بما يؤدي إلى انسلاخ
الظفر عن الجلد وظهور غيره بدلاً منه.
والعطور تصبغ الجلد كذلك، عند تعرض صاحبها للشمس؛ لهذا لا توضع على الأجزاء المكشوفة من الجلد، وكذا
مزيلات العرق لها نفس التأثير، حيث تظهر بقع داكنة على الجلد، بعد التعرض للشمس.
وعندما يتعرض المريض للشمس، بعد تناول المضادات الحيوية، والمنومات، والجريزوفولفين، والمهدئات، وأدوية
الشلل، فإن الوجه يحتقن، كما تظهر بقع حمراء على الجسم.
ويؤدي الإفراط في استعمال القطرات، أو الرشاشات الموضعية، التي تستعمل لإزالة الاحتقان الأنفي، إلى
حدوث انتكاسة في حالة المريض، لتعود إلى أشد مما كانت عليه.
كذا يؤدي الإفراط في تناول بعض الفيتامينات، مثل فيتاميني (A) و(D)، إلى أعراض جانبية سيئة. فمثلاً، تؤدي
كثرة استعمال فيتامين (A) إلى صداع، وآلام في العظام والمفاصل، والخمول، والأرق، وتقشر الجلد. كذلك يؤدي
استعمال جرعات كبيرة من فيتامين (C)، إلى زيادة ترسيب الأملاح في البول، بما قد يؤدي إلى تكوين حصوات في
الكلى، أو المثانة