Latest:

ظاهرة السمنة الزائدة عند الاطفال

للحد من وباء السمنة الزائدة يجب وضع خطة لمعالجة المشكلة. وأولا وقبل كل شيء، يجب البدء من جيل الشباب.

تشير وجهات التطور في العالم الغربي اجمع الى ان نسبة المراهقين والاطفال الذين يعانون من السمنة الزائدة تشهد ارتفاعا كبيرا في كل عام. وتكشف منظمة الصحة العالمية (WHO) عن وضع مثير للقلق، خصوصا في ظل الارتفاع الحاد خلال السنوات الاخيرة في نسب السمنة بين الشباب والاطفال. فقد سجل في الولايات المتحدة لوحدها خلال العام 2005 تصنيف اكثر من 20 مليون طفل تحت سن 5 سنوات باعتبارهم يعانون من السمنة المفرطة.

من المهم ان ناخذ في الاعتبار انه بالاضافة الى المشاكل الصحية التي تشكل نتيجة مباشرة للبدانة، تسبب البدانة ايضا امراض وعوامل خطر اخرى. على سبيل المثال، متلازمة الايض (متلازمة اكس) التي تتميز بالسمنة, ارتفاع ضغط الدم ومستويات غير متوازنة من السكريات والدهون في الدم، تصيب اليوم  الكثير من الاطفال، على الرغم من ان متلازمة الايض (التمثيل الغذائي) كانت تعتبر في الماضي مرضا يقتصر على كبار السن فقط. وقد اظهرت الدراسات المتواصلة ان الاطفال البدناء هم اكثر عرضة للاصابة بفرط السمنة في سن البلوغ، ايضا، ويكونون بالتالي اكثر عرضة للاصابة بامراض القلب، كما ان نسب الوفيات بينهم تكون اكبر في سن مبكرة.

وثمة مرض اخر، هو مرض تصلب الشرايين، الذي يعتبر مسبب الوفيات الاول من حيث الخطورة والاهمية في العالم الغربي، بشكل عام، وكان يعتبر ايضا مرضا  يصيب البالغين فقط، فانه اصبح اليوم يشكل خطرا على الاطفال والفتيان في سن المراهقة، ايضا. وقد تم ربط هذا الاتجاه بالبدانة وبنمط الحياة الغربي.

الاصابة بتصلب الشرايين، التي قد تتطور (وخاصة لدى الاطفال الذين يعانون من السمنة المفرطة) منذ سن البلوغ، قد تسبب لاحقا اصابة في اي واحد من اعضاء الجسم الحيوية: القلب, الكليتين ,الدماغ, الاطراف وغيرها. وتتراوح درجة خطورة الاصابات هذه ما بين غير القابلة للاصلاح (غير قابلة للعكس) وبين المميتة.

وكان مؤتمر دولي خاص اقيم في عام 2009 في ولاية كاليفورنيا، الولايات المتحدة الامريكية، قد ركز على مسالة البدانة بين الاطفال في جميع انحاء العالم، وعرض خلاله استنتاج مثير للرعب: فقد تبين، للمرة الاولى في تاريخ البشرية، ان العالم الغربي يربي اجيالا من الاطفال متوسط الحياة المتوقع لديهم هو اقل منه لدى الوالدين، وذلك نتيجة مباشرة للبدانة، التي تشكل السبب الرئيسي لانخفاض متوسط ​​عمر الاصابة بالنوبات القلبية في جميع انحاء العالم الغربي. 

الوضع القاتم الذي يظهر من المعطيات التي اوردناها ومن العديد من مصادر المعلومات الاخرى دفعت الحكومات في الولايات المتحدة, الدول الاوروبية ودول متقدمة اخرى الى الاعلان عن “حرب شاملة ضد وباء السمنة”. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة وحدها تم رصد مليارات الدولارات سنويا للبرامج التعليمية والتوعية لتغيير نمط الحياة، وخصوصا في اوساط الشباب والمراهقين.

العديد من الدول الاخرى ذهبت الى ابعد من ذلك، اذ قررت وضع التشريعات التي من شانها ان تحد من بيع الوجبات السريعة والاستهلاك الزائد للدهون المتحولة، والتركيز على منع بيع مثل هذه الاطعمة والمشروبات الخفيفة في المدارس. وخطت الدول الاسكندينافية خطوة اخرى في هذه “الحرب” فاعتمدت سياسة المكافاة والتشجيع التي تقوم على خفض نسبة الضرائب المستحقة على الاشخاص الذين يمارسون النشاط البدني بشكل مثبت.

لهذه الاسباب وغيرها، يؤكد الباحثون في مجال الصحة العامة على ان انقاذ اجيال المستقبل يتطلب تدخلا مكثفا من جانب اجهزة السلطة، وفي مقدمتها الحكومات ووزاراتها. على سبيل المثال، فان الدراسات في مجال اقتصاديات الصحة تشير الى ان الاستثمار في التعليم والوقاية من السمنة يوفر حوالي ستة اضعاف التكاليف الطبية المختلفة. لهذا، فانه من المهم جدا وضع خطة عمل لمنع السمنة لدى المراهقين والاطفال، من خلال التنسيق بين جميع اجهزة السلطة ذات الصلة، على ان تشمل مثل هذه الخطة، ايضا:

1. الحد (من خلال التشريعات المناسبة وفرض الضرائب) من استخدام (وتسويق) المواد الغذائية التي تسبب البدانة (اي التي تحتوي على سعرات حرارية عالية، تستهلك بكميات كبيرة، ولا تمنح قيمة غذائية عدا الطاقة المتوفرة)، بما في ذلك: المشروبات الخفيفة المحلاة، الوجبات السريعة الغنية بالدهون والسعرات الحرارية والحلويات الغنية بالكربوهيدرات والدهون. ويمكن ملاحظة الدليل على فاعلية طريقة الحد من خلال النجاح الجزئي الذي حققته خطط تقييد بيع وشرب الكحول والتبغ في انحاء مختلفة من العالم.

2. من ناحية اخرى اعطاء الحوافز الايجابية (بتخفيف ضرائب الصحة، زيادة مخصصات الاولاد وما الى ذلك) للذين يحافظون على نمط حياة صحي، مع التركيز على الوقاية من السمنة والنشاط البدني.

3. انشاء برنامج لتغيير نمط الحياة والتربية الوقائية، مع اعتبارات خاصة للشباب والاطفال، وذلك كجزء من مخصصات الميزانية لسلة الصحة. برامج التعليم يجب ان يقوم على تنفيذها فريق متعدد التخصصات يضم خبراء في مجالات مختلفة تتعلق بتخفيض الوزن لدى الاطفال: اطباء اطفال, خبراء للعلاج السلوكي والنفسي عند الاطفال, خبراء في مجال النشاط البدني والجهد وخبراء التغذية. وقد اثبتت برامج كهذه انها قادرة على تحقيق معدلات مرتفعة من النجاح على المدى الطويل في جميع انحاء العالم.

4. دمج مجموعة من البرامج التعليمية لاكتساب عادات التغذية الصحية وعادات ممارسة الرياضة كجزء لا يتجزا من المنهج الدراسي لجميع الاعمار في نظام التعليم.

مع كل ما سبق ذكره فمن المهم جدا ان نتذكر ان المسؤول عن صحة جيل المستقبل هم الاهل في المقام الاول, وليس الجهات المؤسساتية. وقد ثبت ان افضل تربية تاتي عن طريق القدوة، وخصوصا من الاباء والامهات، لذلك من المهم جدا ان ننتبه الى غذائنا الذي ندخله الى منزلنا.

من المهم التقليل من الاطعمة المصنعة، الغذاء المشبع بالكربوهيدرات, الدهون (الاطعمة المقلية، الاطعمة الغنية بالسكر، الاطعمة الغنية بالملح) والحفاظ على نظام غذائي متوازن يشمل تنويعا متوازنا وكافيا من جميع المكونات الغذائية الاساسية.

ومن المهم التاكد من ان هناك تشجيعا لممارسة النشاط البدني، والاهم من ذلك، هو الحفاظ على تقديم نموذج شخصي وقدوة في اتباع نمط حياة صحي، وليس فقط الاستلقاء امام الشاشات المختلفة، تفضيل المشي على السفر كلما كان ذلك ممكنا، وبشكل عام ادخال عادة ممارسة الانشطة الرياضية بكثرة الى روتين الانشطة اليومية.