فقد الذاكرة او النساوة (Amnesia) تشير الى حالة فقدان القدرة على تذكر امور معينة، مثل: حقائق، احداث في الماضي، معلومات وتجارب من الماضي، وذلك بشكل يومي. وتدعى هذه الظاهرة، ايضا، “متلازمة فقـد الذاكرة”، وهي ليست ذات صلة بالمشاكل المرتبطة بالاصغاء، الادراك الحسي، اللغة، القدرة على الاستنتاج والدافعية (الدافع – Motivation).

الاشخاص الذين يعانون من  ظاهرة فقد الذاكرة (النساوة) يتمتعون، عادة، بصفاء ذهني ويحافظون على استقلاليتهم، لكنهم يواجهون مشاكل جدية في حال طلب منهم تعلم امر جديد، معالجة معلومة جديدة وتكوين ذكريات جديدة. فمن الممكن ان لا يستطيعوا تذكر احداث حصلت في ماضيهم او معلومات من الماضي.
وبالرغم من ان فقد الذاكرة ، عادة، جزءا لا يتجزا من حبكة الافلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية، الا انه  نادر الحدوث، جدا، في الحياة الواقعية.

ويمكن ان تكون النساوة (فقدان الذاكرة) نتيجة لتلف اصاب اجزاء الدماغ المسؤولة عن تكوين ذكريات جديدة وعن معالجة المعلومات. وثمة مسبب اخر، اكثر شيوعا، من الممكن ان يؤدي الى خلل في الذاكرة لدى المسنين هو الاضطراب الادراكي المعتدل (Mild Cognitive Impairment – MCI), وهي المرحلة الوسط بين التغييرات الطبيعية  التي تحصل في التفكير الادراكي لدى المسنين وبين مشاكل شديدة الخطورة ناجمة عن امراض مثل، الخرف (Dementia) او مرض الزهايمر (Alzheimer).

وخلافا لحالات فقدان الذاكرة العابرة، او فـقـد الذاكرة الشامل العابر (Transient Global Amnesia – TGA)، النساوة هي ظاهرة غير عابرة. والعلاج بواسطة الادوية، او العلاجات الطبية الاخرى، لا تستطيع اعادة الذاكرة المفقودة في مرض النساوة. ومع هذا، بامكان بعض الطرق لتحسين الذاكرة، يتم تطبيقها بشكل يومي، بالاضافة الى الدعم الاجتماعي والعلاج النفسي مساعدة الاشخاص الذين يعانون من مرض النساوة ومساعدة ابناء عائلاتهم في مواجهة المرض والتاقلم مع الوضع بطريقة افضل.

أعراض فـقـد الذاكرة

ثمة عرضان (علامتان) اساسيان شائعان لمرض فقدان الذاكرة:

– تراجع القدرة على تعلم ومعالجة معلومات جديدة تتزامن مع بداية مرض النساوة (فقد الذاكرة التقدمي / اللاحق للاصابة – Anterograde amnesia)

– تراجع القدرة على تذكر احداث وقعت في الماضي او معلومات كانت معروفة في الماضي (فقد الذاكرة الرجوعي / السابق للاصابة – Retrograde amnesia). تظهر لدى غالبية الاشخاص الذين يعانون من مرض النساوة مشاكل في الذاكرة قصيرة الامد (Short – term memory)، اذ لا يستطيعون احتواء اية معلومة جديدة. وبالاضافة الى ذلك، تظهر لدى البعض منهم، ايضا، مشكلة في تذكر احداث وذكريات من الماضي كانت محفوظة في ذاكرتهم. ومن شبه المؤكد انهم يفقدون ذكريات الماضي القريب، بينما يحتفظون بذكريات الماضي البعيد، المخزونة عميقا في الذاكرة.

يستطيع بعض الاشخاص تذكر تجاربهم في فترة الطفولة، او تذكر اسماء الرؤساء السابقين، لكنهم لا يستطيعون تذكر اسم الرئيس الحالي، اسم الشهر الحالي او ماذا تناولوا في وجبة الفطور صباح اليوم نفسه.

فقدان الذاكرة لا يؤذي مستوى الذكاء (Intelligence)، الثقافة العامة، الادراك، مستوى الاصغاء، القدرة على الحكم، الشخصية او الهوية الفردية. باستطاعة الاشخاص الذين يعانون من مرض النساوة ان يفهموا الكلمات المكتوبة والمسموعة، وان يتعلموا مهارات جديدة، مثل ركوب الدراجة او العزف على البيانو. هؤلاء الاشخاص ينجحون جيدا في اختبارات الانتباه والتركيز واستخلاص الاستنتاجات. وهم يدركون ويفهمون، غالبا، انهم يعانون من مشكلة في الذاكرة.

يختلف مرض النساوة  (فقد الذاكرة) عن الخرف (Dementia). فالخرف يشمل فقدان الذاكرة، لكنه يكون مصحوبا باضطرابات ادراكية اضافية بارزة، من الممكن ان تؤدي الى خلل في القدرة على اداء اعمال يومية بسيطة. وبالرغم من وجود نوع معين من النسيان يصاحب الاضطرابات الادراكية البسيطة، الا ان مشاكل الذاكرة المرافقة لهذا الخلل لا تكون شديدة الخطورة مثل تلك التي ترافق النساوة.

اعراض وعلامات اضافية تميز النساوة:

  • ذكريات مخطوءة (مختلقة): قد تكون، في بعض الاحيان، قصصا كاذبة وملفقة كليا، او مجموعة من الذكريات الحقيقية لكنها غير مرتبة بشكل صحيح في الحيز الزماني الذي حدثت فيه
  • اعتلالات عصبية: مثلا – حركات لا تناسق بينها، او ارتعاشات (ارتجافات)
  • تشوش او توهان حيزي (عدم القدرة على التوجه المكاني – Spatial disorientation)

أسباب وعوامل خطر فـقـد الذاكرة

يتطلب عمل الذاكرة بصورة سليمة تفعيل عدة اجزاء من الدماغ، ومن شان اي مرض (او اصابة) يؤثر على الدماغ ان يشكل عاملا معيقا لعمل الذاكرة، المركب والمعقد. وقد تنشا النساوة نتيجة لضرر في بنية الدماغ، المسؤول عن القدرات اللغوية، عن الاحاسيس (الشعور) والذاكرة. هذه البنية، التي تشمل الحصين (Hippocampus) والمهاد (Thalamus), موجودة عميقا في القسم الداخلي من الدماغ، في الجزء السفلي من الفصوص الامامية (Anterior lobes). وقد تظهرعلامات النساوة نتيجة لاصابة او صدمة (رضة) دماغية، وهو ما يسمى “النساوة العصبية، او العضوية”.

المسببات الاساسية  للنساوة العصبية:

  • السكتة الدماغية (Stroke)
  • التهاب الدماغ (Encephalitis) من جراء عدوى (تلوث) يسببها فيروس، مثل فيروس الهربس البسيط (HSV)، او نتيجة لرد فعل الجهاز المناعي على مرض السرطان الموجود في عضو اخر في جسم المريض ويدعى التهاب الدماغ الحوفي المتعلق بالابعاد الورمية (PLE – Paraneoplastic Limbic encephalitis)
  • نقص في تزويد الاكسجين المنتظم الى الدماغ (على سبيل المثال، عقب نوبة قلبية، ضائقة تنفسية او تسمم باول اكسيد الكربون)
  • نزيف في الفراغ الموجود بين الجمجمة والدماغ (نزف تحت العنكبوتية – Subarachnoid hemorrhage)
  • استهلاك مفرط للمشروبات الكحولية التي تؤدي الى نقص في الثيامين (فيتامين ب1) (متلازمة فيرنيكة كورساكوف – Wernicke – Korsakoff syndrome)
  • ورم في اجزاء الدماغ المسؤولة عن ضبط الذاكرة
  • بعض المتلازمات المعينة من نوبات الصرع (Epilepsy)
  • المعالجة بالتخليج الكهربي / معالجة بالصدمة الكهربائية  (Electroconvulsive treatment – ECT)
  • اصابات في الراس، مثل الاصابات في حوادث الطرق، والتي يمكن ان تؤدي الى التشوش والى مشاكل في القدرة على تذكر ومعالجة معلومات جديدة، وخاصة خلال المراحل الاولى من الشفاء، لكن هذه المشاكل تكون، في غالبية الحالات، عابرة ولا تؤدي الى  ظهور مرض النساوة.

وثمة نوع اخر، نادر، من مرض النساوة، يسمى “فـقـد الذاكرة النفسي المنشا” او “فقد الذاكرة التفارقي” (Dissociative amnesia)، يظهر نتيجة لصدمة نفسية او رضح (Trauma)، مثل ان يكون الشخص ضحية لعمل اجرامي عنيف. في هذا النوع من الاضطراب، قد يفقد الشخص  جزءا من الذكريات الشخصية والمعلومات عن سيرته الذاتية لعدة ساعات، ايام او لفترة اطول.

يزداد خطر الاصابة بمرض النساوة، اذا تعرض الانسان الى احدى التجارب التالية:

  • عملية جراحية في الدماغ، اصابة في الراس او رضح
  • سكتة دماغية
  • استهلاك مفرط للمشروبات الكحولية

مضاعفات فـقـد الذاكرة

تختلف حدة مرض النساوة ونطاقه من حالة الى اخرى. ولكن، حتى مرض النساوة بدرجة بسيطة او معتدلة، ايضا، يمكن ان يؤثر تاثيرا كبيرا على حياة الشخص المريض، اذ يؤثر على برنامج الحياة اليومي وعلى جودة الحياة. وقد تؤدي النساوة، ايضا، الى مشاكل عديدة في العمل، في المدرسة وفي الحياة الاجتماعية.
وقد يكون من غير الممكن استعادة الذاكرة المفقودة. بعض الاشخاص الذين يعانون من مشاكل شديدة الخطورة في الذاكرة يضطرون الى قضاء حياتهم تحت اشراف وعناية دائمين ومتواصلين، او الانتقال للعيش في مركز علاجي ملائم.

تشخيص فـقـد الذاكرة

بغية تشخيص مرض النساوة، على الطبيب المعالج اجراء تقييم شامل، من اجل نفي مسببات اخرى محتملة لفقدان الذاكرة، مثل مرض الخرف او مرض الزهايمر، الاكتئاب او ورم في الدماغ. ويبدا اجراء هذا التقييم بدراسة مدققة لتاريخ المريض الطبي.

ونظرا لان فقدان الذاكرة قد يحول، احيانا، دون قدرة الشخص المعني على تزويد المعلومات الطبية الكافية للطبيب، فمن الضروري مقابلة ابناء عائلته او معالجين اخرين لانجاز التقييم بصورة صحيحة.

وفي الغالب، يوجه الطبيب المعالج اسئلة بهدف تحديد مدى الاصابة في الذاكرة. وقد تشمل الاسئلة التي يمكن ان تشكل جزءا من التقييم:

  • نوع فقدان الذاكرة (هل باستطاعة المريض تذكر احداث من الماضي القريب، او البعيد؟)
  • متى بدات مشاكل الذاكرة وكيف تطورت مع الوقت؟
  • هل تعرض لعوامل محفزة، مثل اصابة في الراس، سكتة دماغية او عملية جراحية؟
  • التاريخ العائلي، مع تشديد خاص على امراض عصبية محتملة
  • هل يتناول المشروبات الكحولية، او يتعاطى المخدرات؟
  • هل ثمة علامات اخرى مثل الارتباك، مشاكل في اللغة، تغييرات في الشخصية او خلل في قدرة الشخص على الاهتمام بنفسه؟
  • هل ثمة تاريخ طبي يشمل حالة/ حالات من نوبات الصرع، اوجاع الراس (الصداع)، الاكتئاب او السرطان؟

ويشمل الفحص الجسماني، عادة،  فحصا عصبيا (فحص الجهاز العصبي) يختبر ردود الفعل غير الارادية (المنعكسات – Reflexes)، اداء الحواس، التوازن وجوانب فيزيولوجية اخرى لعمل الدماغ وجهاز الاعصاب.

كما يختبر الطبيب المعالج القدرة على التفكير، القدرة على الحكم، ذاكرة قصيرة الامد والذاكرة طويلة الامد لدى المريض. ثم يمتحن المام المريض بالمعلومات العامة، مثل اسم الرئيس الحالي، اضافة الى مدى تذكره لمعلومات شخصية او احداث من الماضي. وقد يساعد تقييم الذاكرة في تحديد مدى فقدان الذاكرة وتوفير معلومات تساعد في تحديد نوع العلاج المناسب للمريض.

وزيادة على ذلك، قد يطلب الطبيب اخضاع المريض لفحوصات تشخيصية بواسطة التفرس (المسح – Scan)، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي (Magnetic resonance imaging – MRI)، التصوير المقطعي المحوسب (Computed Tomography – CT) وتخطيط كهربية للدماغ (EEG – Electroencephalography) بهدف تشخيص اضرار او انحرافات اخرى في  الدماغ.

وقد تساعد فحوص الدم، ايضا، في الكشف عن التهاب، نقص غذائي ومشاكل اخرى.

علاج فـقـد الذاكرة

يتركز علاج فقدان الذاكرة في طرق وتدابير هدفها المساعدة والتعويض عن فقدان الذاكرة الناشئ.  وقد يستفيد المصاب بمرض النساوة من المعالجة المهنية (Occupational therapy) بهدف تعلم كيفية خزن معلومات جديدة تستبدل المعلومات القديمة المفقودة، او كيفية استعمال المعلومات التي لم تتضرر كاساس لتجميع معلومات جديدة. وقد يشمل تدريب الذاكرة، ايضا، فعاليات عديدة ومتنوعة تساعد على ترتيب المعلومات كي يكون من الاسهل تذكرها في المستقبل وعلى تحسين فهم المحادثات المعقدة.

ويجد غالبية الاشخاص الذين يعانون من مرض النساوة ان الاستعانة بتشكيلة من الاجهزة الرقمية (Personal Digital Assistant – PDA) مثل البالم (حاسوب كف اليد – Palm)، بلاك – بيري او الايفون، يمكن ان تكون مفيدة جدا لهم. وبواسطة التدريب والتمرين، يمكن للاشخاص الذين يعانون من حالة نساوة شديدة الخطورة، ايضا، ان يتعلموا كيفية استعمال شتى الاجهزة والمنظومات الالكترونية والاستعانة بها لتنفيذ مهماتهم اليومية.

وعلى سبيل المثال، من الممكن برمجة الجهاز الالكتروني بهدف تذكر تناول الادوية. وثمة طرق وادوات مساعدة غير تقنية ايضا يمكن ان تشمل: دفترا عاديا بسيطا، رزنامة، شخصا اخر مهمته تذكير المريض بان يتناول الادوية وصورا لاشخاص واماكن معروفة.
حتى يومنا هذا، ليس هنالك دواء محدد مخصص لمعالجة غالبية انواع النساوة. ونظرا لان متلازمة فيرنيكه – كورساكوف تنشا نتيجة لنقص في الثيامين (فيتامين ب 1)، فان العلاج يشمل تناول بدائل لفيتامين ب1 والحرص على التغذية الصحية والسليمة. ولا يزال الباحثون يدرسون عدة نواقل عصبية (Neurotransmitters) لها دور في تشكيل الذاكرة، والتي من شانها ان تساعد، في يوم من الايام، في الكشف عن علاجات جديدة لاضطرابات الذاكرة.

لكن كون العمليات الحاصلة في الدماغ معقدة ومركبة جدا يجعل احتمال اكتشاف دواء واحد ووحيد يعالج جميع مشاكل الذاكرة هدفا شبه مستحيل، تقريبا.

الوقاية من فـقـد الذاكرة

المسبب الاساسي لغالبية حالات مرض النساوة هو حدوث اصابة دماغية. ومن هنا، فان افضل طريقة للوقاية هي تجنب حدوث مثل هذه الاصابات. ومن اجل تقليص احتمال الاصابات الدماغية يجب:

  • الامتناع عن تناول المشروبات الكحولية بشكل مفرط
  • وضع خوذة على الراس اثناء ركوب مركبات ثنائية العجلات وربط حزام الامان اثناء السفر في السيارة
  • معالجة الالتهابات الدماغية بسرعة وبشكل مكثف
  • التوجه للعلاج الفوري لدى حصول سكتة دماغية او امهات الدم (توسع مرضي في جدار الشريان – Aneurysm) في الدماغ