تليف الكبد هو مرض شائع جدا فالملايين من الاشخاص يعانون منه، وفي كل عام يزداد عدد المصابين به . ما هي أسباب هذا المرض، كيف يتم تشخيصه وما هي طرق علاج تليف الكبد الممكنة؟ كل شيء حول تليف الكبد في المقالة التالية .

 مرض الكبد الدهني غير الناجم عن تناول الكحول (Nonalcoholic Fatty Liver Disease، وباختصار (NAFLD   عرف في السنوات الاخيرة كعبء طبي كبير. اهمية هذا المرض تنبع من ارتفاع نسبته لدى عموم السكان وكذلك لانه يشكل عامل خطر مهم لتطور تلف الكبد، بدءا من التهاب NASH، وحتى تليف الكبد، قصور الكبد وسرطان الكبد. وعلاوة على ذلك، فمن المعروف اليوم ان NAFLD هو التعبير الكبدي لمتلازمة التمثيل الغذائي. هذه المتلازمة التي تجمع بين مرض السكري, ارتفاع ضغط الدم، السمنة واضطراب الدهون في الدم، وتعتبر واحده من عوامل الخطر المبكرة لمرض القلب الاقفاري .

انتشار مرض تليف الكبد

مرض تليف الكبد الغير ناجم عن تناول الكحول، والمسمى ايضا NAFLD يعرف اليوم كمرض الكبد الاكثر شيوعا في العالم الغربي، مع نسبة انتشار تقدر ب 20-30 ٪ من عموم السكان. نسبته لدى المصابين بزيادة الوزن والدهون تصل الى 70-80 ٪، ولدى المرضى الذين يعانون من مرض السكري من النوع 2 الى 50 ٪. المعطيات المقلقة  بشكل خاص هي تلك التي تبين ان NAFLD تحول لمرض الكبد الاكثر شيوعا لدى الاطفال. حيث كانت تقدر نسبة انتشار NAFLD لدى الاطفال ب- 2.6 ٪ في العقد الماضي، وحاليا تقدر بنحو 5 ٪ لدى الاطفال ذوي الوزن الطبيعي.

النسبة هي اعلى بكثير لدى الاطفال البدينين – 38 ٪  لدى الاطفال الذين يعانون من مرض السكري من النوع 2 وحتى 48 ٪. وجدت واحدة من الدراسات القليلة التي قيمت مبنى الكبد ( علم الانسجة ) لدى الاطفال ان 23 ٪ من الاطفال الذين يعانون من الكبد الدهني يوجد لديهم بالفعل حالة متقدمة من الالتهاب ولدى 9 ٪ منهم توجد ندبه كبيرة او تليف في الكبد.

 اسباب وعلاج تليف الكبد

السمنة هي عامل الخطر الرئيسي لل NAFLD ، ولكن هناك عوامل سلوكية اخرى مثل النظام الغذائي غير الصحي والخمول البدني. هناك اجماع على ان العوامل السلوكية تساهم في تكون الكبد الدهني حيث ان الجوانب الاكثر اهمية هي استهلاك الطاقة المفرط والتركيبة الغذائية الغير صحية. بالاضافة الى ذلك، فقد اظهرت الدراسات ان نمط الحياة الذي ينطوي على كثرة الجلوس، على سبيل المثال، العمل المكتبي، يشكل بحد ذاته عامل خطر لحدوث تليف الكبد.

الستاتينات في علاج تليف الكبد

الستاتينات هي الادوية الاكثر فعالية لخفض مستويات البروتين الدهني منخفض الكثافة (( LDL – Low Density Lipoprotein، وتستخدم على نطاق واسع في علاج تليف الكبد. فهي تعرقل عمل انزيم رئيسي في عملية انتاج الكوليسترول عن طريق التثبيط التنافسي، تزيد من نشاط مستقبلات ال- LDL وتعرقل خروج ال- LDL الى مجرى الدم. هناك عدد كبير من الستاتينات والتي تشمل: Rosuvastatin, Fluvastatin, Atrovastatin, Pravastatin,Simvastatin. على الرغم من ان هناك اختلاف في فعالية الستاتينات بجرعات مختلفة وللاغراض المختلفة، فمن المعتاد تصنيفها كمجموعة واحدة .

 في دراسات المراقبة، دراسات تداخلية مزدوجة التعمية، وتحليلات متقدمة التي شملت اكثر من 100,000مشارك، اظهرت ان العلاج بالستاتينات ادى الى انخفاض 19 ٪ في احداث الوفيات القلبية، 17 ٪ من احداث السكتة الدماغية القاتلة والغير قاتلة وانخفاض 21 ٪ في معدلات الاعتلال والوفيات من كل حدث في الاوعية الدموية. الفائدة من العلاج بالستاتينات كانت الوقاية الاولية, الوقاية الثانوية، وفي مختلف الفئات المعرضة للخطر بغض النظر عن العمر والجنس.

جنبا الى جنب مع الفهم بان الستاتينات هي الاكثر فعالية في الحد من الوفيات والاعتلال في القلب والاوعية الدموية فقد لوحظت ايضا اثار جانبية لهذا الدواء. حوالي 1-3 ٪ من المرضى اشتكوا من اثار جانبية التي شملت التعب،  الم في البطن، وتغييرات في حركات الامعاء. الاثار الجانبية الاكثر خطورة التي تم وصفها بعد استخدام الستاتينات شملت بالاساس اصابة في العضلات واضطراب في وظائف الكبد. على الرغم من ان زيادة نشاط انزيمات الكبد المتعلقة بالجرعة وصفت بعد تلقي العلاج بالستاتينات، الا ان نسبة انتشار تضرر الكبد بشكل كبير ( الفشل الكبدي او فرط بيليروبين الدم( Hyperbilirubinemia  بسبب الستاتينات منخفضة جدا.

المعلومات المشتركة عبر العديد من الدراسات، اظهرت ان حالات الاصابة بامراض الكبد لدى المرضى الذين عولجوا بالستاتينات كانت منخفضة من اولئك الذين عولجوا بالدواء الوهمي. دراسة وصفية اخرى اظهرت نسبة 0.1 ٪  في 23,000 لزيادة كبيرة في انزيمات الكبد ( حتى 10 اضعاف من المعتاد ) في المرضى الذين عولجوا بالستاتينات. بحسب معطيات ال- FDA فقد وصفت حالات الفشل الكبدي التي تنسب الى العلاج  بالستاتينات، مع نسبة حدوث تقدر ب- 0.1 لكل 100,000 سنوات من المرض.

  دراسة اخرى  فحصت خطر حدوث الفشل الكبدي بسبب ال- Lovastatin اشارت الى نسبة مماثلة. في دراسة مراقبة, مزدوجة التعمية، مقابل العلاج الوهمي، تم فحص مخاطر استخدام الستاتينات في المرضى الذين يعانون من امراض الكبد المزمنة، فقد ثبتت فعالية خفض مستويات الكوليسترول في الدم دون زيادة في حدوث الاصابة الكبدية. على الرغم من هذه المعلومات، فلا يزال هناك قلق غير مثبت حول اعطاء الستاتينات للمرضى الذين يعانون من امراض الكبد المزمنة. من بين المصابين بهذه الامراض فليس هناك شك في ان الحاجة الى اعطاء الستاتينات مهم بشكل خاص للمرضى المعرضون لعوامل الخطر في القلب والاوعية الدموية.

علاج تليف الكبد والتغذية

النظام الغذائي له اهمية هائلة في علاج  تليف الكبد، في الواقع اكثر من 30 ٪ من عامة السكان اليوم يعانون من مرض الكبد الدهني، وليس بالضرورة البدناء. النظام الغذائي هو العلاج الوحيد الذي اثبت اليوم في جميع الابحاث الطبية انه يساعد على علاج الكبد الدهني بشكل لا لبس فيه. الحمية الغذائية ليست معركة محدودة للحظة وانتهى الامر، يجب ان نتذكر ان هذا هو تغيير في نمط الحياة، التركيبة الغذائية، الاهتمام بما يدخل الى الفم وممارسة التمارين الرياضية بانتظام.

يبدو الامر صعب جدا ولكن بالمحصلة فليس من الضروري اجراء تغييرات جذرية، لا ينبغي ان ناكل الخس، لا ينبغي الصوم، فهذا هو تغيير في التصور، تطوير الوعي، للاطعمة الاكثر صحية والاقل صحية. يفضل ان ناكل معظم الوقت الطعام الصحي، التقليل من الاطعمة الاقل صحية. يجب ان ندرك انه بمجرد ان يتحول ذلك لنمط حياة، فانه يغير كل الصورة.

الكبد هو جهاز مدهش، لديه القدرة على شفاء نفسه، بل والمدهش اكثر من ذلك هو انه يشفي نفسه من خلال الحمية الغذائية فقط، لا حاجة لعملية جراحية، لا حاجة لعلاج دوائي خطير. الحمية الغذائية وحدها تشفي الكبد، لا حاجة لحمية غذائية شديدة تذكروا ذلك، فالتغيرات الصغيرة تحدث التغييرات الكبيرة في الكبد .

علاج تليف الكبد بالنشاط البدني

في دراسة اجريت في مجال الصحة والتغذية على ( 350 شخصا ) وجد ان الاشخاص الذين تم تشخيص NAFLDلديهم قاموا بنشاط بدني اقل في اوقات الفراغ. وجد ان القيام بالنشاط البدني يرتبط بعلاقة عكسيه مع NAFLD ، وخاصة العلاقة مع النشاط اللاهوائي (تمارين المقاومة ). هذه النتيجة ليست مفاجاة لان الدراسات السابقة اظهرت ان النشاط البدني يعبر عنه على وجه الخصوص في التقليل من الانسجة الدهنية في البطن ( دهون تجويف البطن) التي ثبتت كعامل خطر كبير للNAFLD.

 التمرينات الرياضية قد تساعد على علاج تليف الكبد NAFLD ايضا من خلال اليات اخرى. النشاط البدني، مع عدم خفض الوزن او تغير في تكوين الجسم، يعطي حساسية للانسولين ويحسن العمليات الايضية للجلوكوز. بالاضافة الى ذلك، ممارسة الرياضة تحسن ايضا التمثيل الغذائي للاحماض الدهنية عن طريق تشجيع تحللها.  التمارين اللاهوائية تزيد من كتلة العضلات بشكل ملحوظ اكثر من التمارين الهوائية. زيادة كتلة العضلات تسمح باستخدام اكثر كفاءة للجلوكوز مقابل افراز انسولين اقل.

في دراسة عرضت مؤخرا في مؤتمر الكبد الاوروبي والتي فحصت تاثير التمارين اللاهوائية (تدريبات المقاومة ) ل- 8 اسابيع على علاج تليف الكبد. وجد ان التدريب قلل من كمية الدهون في الكبد وحسن مستويات الجلوكوز في الدم من دون خفض الوزن. توصي جمعية القلب الامريكية بالدمج بين التدريب اللاهوائي ضمن النشاطات البدنية الموصى بها مرتين في الاسبوع على الاقل. ويشمل التدريب المقاومة كل التمارين التي تفعل وتقوي العضلات بدءا من رفع الاثقال حتى اليوغا.

دراسة اخرى حول تاثير ممارسة التدريبات اللاهوائية على تليف الكبد والتي فحصت تاثير التدريبات اللاهوائية بما في ذلك التمارين في صالة الالعاب الرياضية بمرافقه مدرب اللياقة البدنية والمعالج الطبيعي وفحص الموجات فوق الصوتية المتطور للكبد الذي يعطي ايضا كمية الدهون في الكبد .

فيتامين E وتاثيره على الكبد الدهني

فيتامين E هو فيتامين مضاد للاكسدة والذي يذوب في الدهون الطبيعية الموجود في الفواكه والخضروات مثل البروكلي، الكيوي وكذلك المكسرات، الفول السوداني, اللوز وزيت عباد الشمس. عدد من الدراسات الصغيرة اثبتت فعالية اعطاء جرعة عالية من هذا الفيتامين, 800 وحدة في اليوم من انزيمات الكبد وبمنع تضرر الكبد .نشرت مؤخرا مقالة كبيرة التي اظهرت انخفاض كبير في مدى الضرر في الكبد بواسطة الخزعة وانخفاض في انزيمات الكبد في مرضى تليف الكبد الغير مصابين بالسكري والذين تم علاجهم بفيتامين E مقابل العلاج الوهمي، في دراسة استمرت لمدة نحو عامين. واظهرت دراسة اخرى اجريت على الاطفال والمراهقين الذين يعانون من مرض تليف الكبد انخفاض في علامات تضرر الكبد ولكن لم تصل الى مستوى ذا دلالة احصائية بالمقارنة مع الدواء الوهمي.

واظهرت الدراسات السابقة التي فحصت فعالية العلاج بفيتامين E على امراض القلب والسكري زيادة صغيرة في معدلات الاعتلال والوفيات لدى المرضى الذين عولجوا بمستويات عالية من فيتامين E ، لذلك لا ينصح اليوم بالعلاج بشكل جارف، ولا ينصح به لمرضى السكري او المرضى الذين يعانون من تليف الكبد.

علاج تليف الكبد والاحماض الدهنية الاوميغا 3

ثبت ان الاحماض الدهنية الاوميغا 3 فعالة في الوقاية من الامراض الالتهابية وامراض القلب. في تجربة سريرية اجريت مؤخرا، وعرضت في مؤتمر الكبد الاوروبي الاخير، وجد ان اضافة 3 غرام من الاوميغا 3 يوميا لمدة سنة خفضت كمية الدهون في الكبد بغض النظر عن خفض الوزن، ولكن لم تحسن وضع الندبة او التهاب الكبد.

ايضا في التجارب السابقة على بني البشر لوحظت فائدة عند اضافة 1-3 غرام من زيت السمك يوميا في الحد من الدهون في الكبد وكذلك في خفض انزيمات الكبد. وقد اثبتت العديد من الدراسات على الحيوانات ان زيت السمك يساعد الكبد على “التخلص” من الدهون الزائدة في الكبد ويساعد كذلك على تقليل الالتهاب في الكبد. مصادر جيدة لهذه الاحماض هي اسماك المياه العميقة مثل: سمك السلمون، سمك القد, التونة والسردين. جمعية القلب الامريكية توصي بتناول اسماك المياه العميقة على الاقل مرتين في الاسبوع لمنع امراض القلب.

علاج تليف الكبد بنبتة الخرفيش Silybum marianum

الخرفيش هو نبات شوكي موجود في منطقتنا. وهو احد النباتات الطبية القديمة التي تم دراستها بشكل واسع في علاج امراض الكبد وكذلك تم فحصه على الحيوانات وعلى بني البشر. المركب النشط في هذه النبتة هو السيليمارين silymarin وهو يعمل كمضاد للاكسدة والالتهابات وكمعيق لعمليات تطور ندبة الكبد ويشجع على تعافي الانسجة الكبدية. كذلك وجد انه مفيد في تقليل مقاومة الانسولين الذي يشكل احد الاسباب الرئيسية لحدوث تليف الكبد .

السيليمارين هو ايضا فعال في خفض انزيمات الكبد (ALT, AST). على الرغم من النتائج الواعدة فلا توجد في الوقت الراهن توصية من الجهات المهنية المتخصصة في دراسة امراض الكبد لاعطاء الخرفيش دون قيود لمرضى تليف الكبد, لانه ما تزال هناك حاجة الى المزيد من البحث ويجب فحص عدم تفاعله مع الادوية الاخرى التي ياخذها المريض. يجب استشارة الطبيب حول اخذ هذا المكمل الغذائي.

علاج تليف الكبد والقهوة

القهوة هي مادة طبيعية ذات خصائص قوية مضادة للاكسدة. في الاونة الاخيرة زادت الدراسات التي تبين ان شرب القهوة ( بجرعة من 2-3 اكواب يوميا ) يرتبط بانخفاض مخاطر الاصابة بسرطان الكبد، مرض الكبد الكحولي وزيادة انزيمات الكبد. وقد اظهرت الابحاث على الحيوانات ان شرب القهوة ( بجرعة 2 كوب يوميا ), يخفض بشكل كبير من كمية الدهون في الكبد وكذلك كمية الالتهاب وتضرر الكبد .

 دراسة اجريت على 245 شخصا ( مرضى بتليف الكبد ومجموعة ضابطة ) اثبت ان شرب القهوة كان مرتبطا بانخفاض في السمنة، انخفاض مقاومة الانسولين وانخفاض في علامات تضرر الكبد.حاليا، ليست هناك توصية شاملة لتناول القهوة للمرضى الذين يعانون من تليف الكبد، لان هناك حاجة الى المزيد من البحث.

حمض الصفراء

هو عبارة عن الحمض المراري الطبيعي والموجود بتركيز منخفض في الاملاح الصفراوية في الجسم.  اعطاء هذا الحمض يستخدم كعلاج لامراض الكبد في القنوات الصفراوية، على سبيل المثال تليف المرارة الاولي (Primary Biliary Cirrhosis-PBC). مؤخرا تم استخدام هذه الاحماض الصفراوية لعلاج  تليف الكبد وكانت النتائج متفاوتة. عدد من الدراسات لم تظهر فعالية لاستخدام الدواء بالمقارنة مع الدواء الوهمي. بالمقابل اظهرت دراسة حديثة انخفاض في علامات الالتهاب لدى المرضى الذين يعانون من تليف الكبد الذين تم علاجهم بجرعة عالية من حمض الصفراء. الدمج بين الحمض المراري وفيتامين E اظهر ايضا فعالية في الحد من علامات الالتهاب لدى المرضى الذين يعانون من تليف الكبد.

في الملخص، في حين ان المرض كان يعتبر في الماضي مرض غير خبيث، فمن المعروف اليوم انه قد يتطور الى التهاب، ندبة، تليف الكبد، وحتى الى فشل الكبد وسرطان الكبد. بالاضافة الى ذلك وجد ان المرض مرتبط بتطور مرض السكري وامراض القلب. حاليا لا يوجد هناك دواء فعال الذي يمنع تقدم المرض او تطوره، وبالتالي فهناك اهتمام كبير بتاثير المستحضرات الطبيعية والتغيرات في نمط الحياة على تطور المرض.