المحفزات دون الشعورية لعلاج التوحد: هل هي نهج مثير للجدل؟

ا.د. حسن محمود موسى ابو المعالي
كلية الصيدلة – جامعة كربلاء

يعد علاج اضطراب طيف التوحد (ASD) كان موضوعًا لأبحاث ومناقشات مكثفة منذ فترة طويلة. بينما ظهرت العديد من النهج المختلفة، فإن استخدام المحفزات دون الشعورية كأداة علاجية محتملة أثار اهتمامًا وجدلاً في الأوساط العلمية والطبية. المحفزات دون الشعورية تشير إلى المعلومات الحسية التي تُقدم دون أن تتجاوز عتبة الإدراك الواعي، وغالبًا ما تتجاوز وعي الفرد. ويقترح مؤيدو هذا النهج أن المحفزات دون الشعورية يمكن أن تلعب دورًا في تخفيف بعض الأعراض المرتبطة بالتوحد، بينما يثير النقاد مخاوف حول الأخلاقيات والفعالية، والعواقب الغير المقصودة المحتملة.

وأساس علاج المحفزات دون الشعورية للتوحد يتجذر في فكرة أن الأفراد الذين يعانون من التوحد قد يواجهون حساسيات متزايدة تجاه المدخلات الحسية. من خلال تقديم محفزات دقيقة ومتحكمة تتجنب التعرف الواعي، يفترض مؤيدو هذا النهج أنه قد يكون من الممكن تعديل مسارات الدماغ والتأثير على السلوك. يمكن أن تأخذ هذه المحفزات أشكالًا متعددة، مثل الصور البصرية أو الإشارات السمعية، أو حتى الإحساسات التلامسية. تقوم النظرية بالتأكيد على أن التعرض الدماغي لهذه المحفزات يمكن أن يساعد الأفراد المصابين بالتوحد في تنظيم تجاربهم الحسية، وإدارة الاستجابات العاطفية، وتحسين التفاعلات الاجتماعية.
ويشير مؤيدو العلاج بالمحفزات دون الشعورية إلى الأبحاث التي تشير إلى أن الأفراد المصابين بالتوحد قد يعالجون معلومات الحواس بشكل مختلف عن الأفراد ذوي الطبيعة العصبية الاعتيادية. حيث أشارت بعض الدراسات إلى أن الأشخاص المصابين بالتوحد لديهم استجابات دماغية غير اعتيادية للمحفزات الحسية، مما يشير إلى وجود اختلافات ممكنة في دوائر الأعصاب. يؤكد مؤيدو النهج على أن المحفزات دون الشعورية يمكن أن تستغل بشكل محتمل هذه المسارات العصبية، مما يساعد في تكامل الحواس وتعزيز تجربة حسية أكثر توازنًا. وبدوره، قد ينتج عن ذلك تقليلًا في التحمل الحسي وزيادة في تنظيم العواطف.
ومع ذلك، يواجه مفهوم المحفزات دون الشعورية كعلاج للتوحد انتقادات كبيرة ومخاوف أخلاقية. وأحد التحديات الرئيسية تكمن في تحديد المحفزات المناسبة والمدة والشدة لاستخدامها. وان تخصيص المحفزات دون الشعورية لحساسيات الحواس الفردية الفريدة واحتياجاتها هو مهمة معقدة، ولا يمكن تجاهل إمكانية حدوث تأثيرات سلبية غير مقصودة. بالإضافة إلى ذلك، غياب بروتوكول موحد يثير تساؤلات حول الاستمرارية وقابلية التكرار لأي نتائج إيجابية تم الإبلاغ عنها.
تعترض مسائل أخلاقية أيضًا في هذا النقاش. حيث ان فكرة تقديم محفزات لا يدركها الشخص المستقبل يمكن أن تثير أسئلة أخلاقية حول موافقة المستفيد والتلاعب به. وطبيعة الأفراد المصابين بالتوحد تؤكد على ضرورة وجود إشراف وتوجيه أخلاقي دقيق لضمان عدم انتهاك حقوقهم أو استغلال وضعهم. بالإضافة إلى ذلك، يجب معالجة بعناية إمكانية استغلال الأشخاص الذين يبحثون عن الربح من العائلات المائلة إلى التصديق.
نقطة أخرى مثيرة للجدل تتعلق بالأدلة التجريبية التي تدعم فعالية علاج المحفزات دون الشعورية للتوحد. بينما أشارت بعض الدراسات إلى نتائج إيجابية، فإن صرامة الأسلوب وحجم العينات في هذه الدراسات غالبًا ما تتعرض للانتقاد. وتواجه التباينات في طيف التوحد نفسه تحديات في تحديد معيار قياسي يمكن قياس تأثيرات العلاج عليه. وتأثير العلاج الوهمي وخصائص الطلب والتحيز في سلوك الباحث هي أيضًا عوامل تؤثر في التحسينات المعترف بها. ويعتقد النقاد أن الأدلة المحدودة والغير محسومة المتاحة لا تبرر متابعة هذا النهج كعلاج أساسي أو حصري للتوحد.
بالإضافة إلى هذه التحديات، تستدعي الآثار النفسية والعاطفية المحتملة للمحفزات دون الشعورية اهتمامًا دقيقًا. إذا لم تُقدم بحذر شديد، يمكن أن تثير التدخلات دون الشعورية بشكل غير مقصود قلقًا أو توترًا أو ردود فعل نفسية سلبية أخرى.
وبناءً على التطورات المعرفية الأخيرة ، يظل استخدام المحفزات دون الشعورية كعلاج اساسي للتوحد مجالًا محوريًا مثيرًا للجدل ولم يحظ بقبول واسع في الأوساط العلمية والطبية. على الرغم من أن الفكرة تستند إلى نظريات مثيرة حول معالجة المعلومات الحسية في التوحد، إلا أن نقص الأدلة التجريبية الموثوقة، جنبًا إلى جنب مع القلق الأخلاقي، قد اعاق اعتمادها على نطاق واسع داخل الأوساط العلمية والطبية.
ومن المهم أن نلاحظ أن مجال أبحاث التوحد في تطور مستمر، وقد تكونت اكتشافات جديدة منذ ذلك الحين. لذا يُشجع الأفراد الباحثين عن معلومات حول علاجات محتملة للتوحد على استشارة الأطباء المؤهلين ومتابعة أحدث الأبحاث والاكتشافات.
المصادر:
⦁ Tanaka M, Yamada E, Yamasaki T, Fujita T, Nakaniwa Y, Ogata K, Nakazono H, Maekawa T, Tobimatsu S. Asynchronous neural oscillations associated with subliminal affective face priming in autism spectrum disorder. Neuroreport. 2023, 1;34 (3):150-155. 
⦁ Endevelt-Shapira, Y., Perl, O., Ravia, A. et al.. Altered responses to social chemosignals in autism spectrum disorder. Nat Neurosci 21, 111–119 (2018).
⦁ Svjetlana V, Joseph C, David P., Electrophysiological Correlates of Subliminal Perception of Facial Expressions in Individuals with Autistic Traits: A Backward Masking Study, Front. Hum. Neurosci., 11, 2017. 
⦁ Eoffrey B.C. Hall, C. Dianne West, Peter Szatmari, Backward masking: Evidence of reduced subcortical amygdala engagement in autism, Brain and Cognition, Volume 65, Issue 1, 2007, 100-106. 
⦁ Cook, J.L., Bird, G. Atypical Social Modulation of Imitation in Autism Spectrum Conditions. J. Autism Dev. Disord., 42 (2012) 1045–1051.
⦁ Heather J., Giacomo V, Kristelle H, Cheryl D, Pupillometry reveals reduced unconscious emotional reactivity in autism, Biological Psychology, 101(2014) 24-35.