شهر رمضان ومرضى السكر

بسم الله الرحمن الرحيم “أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ” (184) سورة البقرة

يُجمع الأطباء والفقهاء بأن مرض السكر بنوعيه (السكر نوع 1) و (السكر نوع 2) هو عذر طبي مقبول لإعفاء المرضى المسلمين من صيام رمضان ودفع الكفارة بدلاً عن كل يوم إفطار. و مع هذا، يصر عدد كبير من مرضى السكر يقدر ب 42,8 % من المصابين بالسكر 1، و 78,7 % من المصابين بالسكر 2 على صيام هذا الشهر الفضيل على الاقل في الخمسة عشر أيام الأولى منه، وذلك لأسباب دينية او اجتماعية لما لهذا الشهر من جو مبارك يجمع المسلمين بالمحبة والتآلف وينزل على أرواحهم الخشوع و السكينة.

ومع أن قرار صيام شهر رمضان يبقى قراراً شخصياً، إلا أنه ينصح بمراجعة الطبيب و أخذ استشارته دائماً بنظر الاعتبار [1]. ولا يمنع الأطباء من صيام رمضان بسبب عدم امكانية أخذ الدواء بصورة صحيحة مثلاً، كما يعتقد البعض، لأنه يمكن للطبيب في كثير من الأحيان تغيير مواعيد الدواء بما يناسب أوقات الافطار والسحور وخاصة في الحالات البسيطة والابتدائية من السكر نوع 2 الذي يعالج  بالحبوب و ذلك مقارنة بمرضى السكر نوع 1 والحالات المتقدمة من نوع 2 حيث يعالج المريض بحقن الانسولين، والمجموعة الأخيرة من المرضى هم على رأس قائمة الممنوعين عن الصيام وذلك لزيادة المضاعفات عندهم في هذه الحالة وخطورتها. 

يؤدي الصيام إلى تغييرات مفاجئة ومهمة في أنظمة الراحة والطعام و النوم والدواء للجسم، وهذه التغييرات تسبب بدورها اختلالات وظيفية حقيقية في الجسم كاختلاف تراكيز السكر والاملاح في الدم و زيادة لزوجته والتي تؤدي هي الأخرى إلى حصول مضاعفات مرضية للمصابين بالسكر خاصة عندما يتزامن الصوم مع ارتفاع درجة حرارة الجو و طول ساعات الصيام لأكثر من 18 ساعة في اليوم و التعرق والإرهاق. [2].

 المضاعفات التي يُخشى منها على مرضى السكر الصائمين هي:

  1. الزيادة الشديدة لتركيز سكر الكلوكوز في الدم  Hyperglycemia

تحصل هذه إما بسبب تخفيض المريض لجرعة دواء السكر ظناً بأن هذا يتناسب مع قلة الطعام أو بسبب الاستهلاك العالي للسكريات خلال شهر رمضان. وتزيد هذه المضاعفات 3 مرات عند مرضى السكر 1 و 5 مرات عند مرضى السكر 2 في حالة الصيام مقارنة بالأيام الاعتيادية، وقد تؤدي زيادة تراكيز السكر اذا لم تعالج إلى ارتفاع حموضة الدم بسبب تكون حوامض الكيتون الناتجة عن تكسر الكلوكوز الفائض بطرق أيضية جانبية وخاصة في مرضى السكر نوع 1 الذي يعالج بحقن الانسولين. وتؤدي حموضة الدم بسبب الكيتونات هذه إلى التنفس السريع والتعرق والاعياء وحتى الموت. وتشير الدراسات إلى ان ارتفاع السكر الشديد في الدم له علاقة مباشرة بانسداد الأوعية الشعرية والمتوسطة الحجم في الجسم.

  1. الانخفاض الشديد لتركيز الكلوكوز في الدم و يأتي بسبب تغيير جرعات الادوية بصورة خاطئة أو تغيير نظام الحياة Hypoglycemiaفي رمضان ويؤدي إلى الاغماء وحتى إلى الموت. تزداد هذه الحالة ب 4,7 مرات عند مرضى السكر 1 الصائمين و ب 7,5 مرات عند مرضى السكر 2 الصائمين مقارنة بالأحوال الاعتيادية.
  2.  ارتفاع حموضة الدم المسببة عن تكون الاجسام الكيتونية عند الصيام بينما يكون تركيز السكر غير منتظم في الدم أو عند تخفيض جرعة الانسولين بشكل واضح عن طريق الخطأ تماشياً مع قلة الطعام.Diabetic ketoacidosis 
  3.  الجفاف والجلطة الدموية بسبب نقصان السوائل والتعرق وكذلك بسبب زيادة الادرار لارتفاع السكر في الدم والذي يصاحبه فقدان السوائل والاملاح وازدياد لزوجة الدم و خطر الجلطة الدموية خاصة في الاوردة. وتشير الدراسات إلى ان انسداد أوردة شبكية العين هو السائد لهذه الاسباب. وأما احتمال المضاعفات القلبية و الشريانية فلا يوجد دليل علمي على تأثرها بسبب الصيام لحد الآن.

وماذا اذا اصر المصرون على الصيام؟   

  يُنصح مرضى السكر في حالة صيامهم بما يلي    :

  1. مراجعة الطبيب قبل بداية رمضان بحوالي خمسة أيام لتقييم الوضع الصحي بصورة عامة و قياس تراكيز السكر والكولسترول في الدم و مدى إمكانية الصوم و ما اذا ينصح به.   و في هذه الحالة يتم تغيير نظام الأدوية و العلاج حسب أوقات الإفطار و السحور تحت إشراف الطبيب.كما يعاد تنظيم أوقات أي أدوية أخرى كعلاج ضغط الدم والكولسترول إن وجدت. و يستحسن تفادي الأدوية المدررة مؤقتاً (التي تؤخذ عادة لعلاج حالات ارتفاع ضغط الدم) خلال رمضان قدر الامكان وذلك بعد استشارة الطبيب و تغيير العلاج بما يلائم.
  2.  يقاس سكر الدم بصورة مستمرة و منظمة خلال شهر رمضان . ينصح بالتوقف عن الصيام اذا بلغ السكر 60 ملغم في اللتر (اي 3.3 مليمول في اللتر) كما ينصح بالتوقف عن الصيام إذا وصل تركيز السكر في الساعات الأولى بعد بدأ الصيام إلى 70 ملغم في اللتر أو أقل (أي 3.9 مليمول في اللتر أو اقل). وينصح بالتوقف عن الصيام اذا وصل السكر إلى 300 ملغم في اللتر أو 16.7 مليمول في اللتر) أو اكثر. وفي كل الحالات أعلاه ينبغي أخذ الدواء واستشارة الطبيب حالاً.
  3.  لا ينصح بالصيام في أيام المرض.
  4.  يستحسن المحافظة على مستوى طبيعي من الفعالية الجسمية وتجنب الأعمال الشاقة والمرهقة قدر الامكان خاصة في الساعات الثلاث الأخيرة قبل الافطار.
  5.  ينصح بالمحافظة على وزن الجسم أثناء رمضان قدر الامكان و القيام بتمارين منتظمة ومعتدلة يومياً بين الافطار و السحور ويمكن اعتبار حركات الصلاة والركوع و السجود كتمارين جسمية كما هي روحية و خاصة اذا زاد عددها كما في صلاة التراويح.
  6.  الامتناع عن أكل وجبات دسمة و غنية بالسكريات و النشويات السريعة الامتصاص عند الافطار. ان افضل النشويات هي تلك التي تحتوي على الألياف وتمتص ببطء فلا تسبب ارتفاعاً سريعاً للسكر في الدم، مثلاً العدس والبازلاء الناشفة والرز البري أو الاسمر وأنواع الحبوب والبقليات كما ينتمي الخس والبروكولي و براعم برسل واللهانة إلى هذا النوع من الاغذية. ومن الفواكه البطيخ (الشمام) والرقي (البطيخ) والأناناس و الكيوي وأنواع الحمضيات .أما التمر فتكمن فائدته في كونه مشبعاً سريعاً للجوع فيقلل أكل التمر قبل وجبة الافطار من النهم و التخمة. و قد وجدت بعض الدراسات الحديثة على جرذان الاختبار بأن لمستخلص التمر تأثير واضح في تصليح الأنسجة المايلينية التي تغلف الأعصاب المحيطية و التي قد تتلف بسبب مرض السكر [3].
  7.  يمكن للمرضى الذين لديهمأاجهزة قياس السكر في البيت أن يحددوا ما إذا ما كان طعاماً ما من النشويات بطيئة الامتصاص أم لا وذلك بقياس السكر لأربع او خمس مرات متتالية كل ساعة بعد الافطار و رسم خط بياني وهذا يكون أقل ارتفاعاً واصغر مساحة في النشويات بطيئة الامتصاص. أما الطريقة العلمية الصحيحة للقياس فتوجد على موقع جامعة ولاية أوريغون الامريكية:
     www.lpi.oregonstate.edu/infocenter/foods/grain/gigl.html.micronutrient information center – Glycaemia  index
  8. ينصح بشرب الكثير من السوائل و قدر الامكان خلال فترة الفطور و حتى السحور.
  9.  ينصح بإعادة تقييم حالة السكر باستشارة الطبيب خمسة أيام بعد بداية الصوم و مرة أخرى بعد ثلاثة أو أربعة أيام بعد عيد الفطر المبارك.
  10.  تجنب الارهاق و الرياضة العنيفة و التعرق الشديد عند الصيام قدر الامكان و خاصة في الجو الحار المشمس.

وهكذا يتضح أن هناك حكمة في الإفطار على التمر و شوربة العدس مثلاً، وحتى في التعبد الكثير في شهر رمضان.
تقبل الله صيامكم وقيامكم و كل رمضان وانتم بخير. 

المصدر:
http://arsco.org/article-detail-1111-14-0