العلاج بالاوزون

 

بقلم: م.م.جلال حسن ابو طحين

يوجد الأوزون طبيعياً في طبقة الستراتوسفير ويرجع وجودة إلى سلسلة من التفاعلات بين الأكسجين الجزئى والذرى ولايبقى الأوزون المتكون لفترة وجيزة ثم يتفكك بفعل ضوء الشمس إلى جزئي أكسجين ثم يتكون وفى النهاية نحصل على شكل يبقى دائماً على طبقة من الأوزون في منطقة الستراتوسفير متوازنة وهذا التوازن يعتمد على سرعة تكوينه وسرعة تفكك الأوزون. وعندما يحدث تداخل لبعض المواد مع هذة السرعة يحدث خللا في الاتزان، إما بزيادة تركيز الأوزون أو بالعكس تحلل الأوزون من منطقة الستراتوسفير

منذ زمن بعيد ، عرف صيادو الأسماك من الهنود الأمريكيين ، ما قبل [ كولومبوس ] أن الصيد يكون وفيراً في الليالي التي تعقب العواصف الرعدية ، حين يتشبع الهواء برائحة لا تشبه رائحة اليود المعتادة ، بل تشبه رائحة التبن الطازج في أجران الحصاد ، هذه الرائحة نفسها هي التي لاحظها الإغريقيون القدامى ، و أطلقوا عليها اسم أوزين .. و هو عبارة عن غاز ذي لون أزرق باهت ، يشكل غلافاً يحيط بالكرة الأرضية على ارتفاع يتراوح ما بين خمسين و مئة ألف قدم ..

و لم يعرف العلماء تفسيراً لهذه الظاهرة ، على النحو الذي نعرفه الآن ، إذ يعتقد العلماء أن الشحنات الكهربائية الناتجة عن البرق المصاحب للعواصف الرعدية ، تؤدي إلى زيادة نسبة الأكسجين في الطبقات السطحية من الماء ؛ و هذا ما يجذب الأسماك إلى السطح ، فتمسك بها شباك الصيادين .. فسبحان من جعل كل شيء بقدر !

و تختفي طبقة الأوزون تحت تأثير العدوان اليومي الذي نمارسه ضد الطبيعة من خلال زيادة نسبة [ الكلور والفلور و الكربون ] الناتج عن أجهزة التكييف و الثلاجات و غيرها ، ما يسمح بمرور كمية أكبر من الأشعة فوق البنفسجية ، و زيادة مطردة في حالات سرطان الجلد ، و من جهة أخرى يختلط الأوزون في طبقات الجو المنخفصة بملوثات البيئة الأخرى التي تجوب الشوارع في أركان الكون ، و تحت أشعة الشمس نفسها ، فينتج عن ذلك دخان ضبابي كيميائي أكال ، يؤدي إلى هبوط المطر الحمضي و تلف المحاصيل ، و كثيراً من أمراض الرئة خاصة المتعلقة بالتحسس ، وإضافة إلى أكسدة المباني و التماثيل ..

و قد بدئ باستخدام الأوزون علاجا لبعض الأمراض في وقت مبكر ، ففي عام 1855 ، بعد انتهاء الكيميائي الألماني [ شونيين ] من بحوثه حول الأوزون ، بوشر باستحدامه في تطهير غرق العمليات الجراحية بعد الكشف عن قدرته الهائلة على أكسدة العناصر ، و بالتالي قتل البكتيريا و الفيروسات ، و إزالة كثير من السموم ، كما استخدمه الطبيب الألماني [ ألبرت دولف ] عام 1915 في علاج كثير من الأمراض التي تصيب الجلد ، إضافة إلى الجروح و النواسير و التهابات العظام ، و أفادت الجيوش الألمانية المشاركة في الحرب العالمية الأولى من اكتشاف [ دولف ] هذا ، و توسعت في استخدام الأوزون في علاج جرحى الحرب ، خاصة الجروح الملوثة ..
كما استخدم الماء المؤوزن في تطهير أفواه المرضى و أسنانهم ، ثم جاء الطبيب الألماني [ زابل ] ليكون أول من قام بتجربة الأوزون في علاج بعض حالات السرطان عام 1950 ، و تبعه في ذلك كثير من الأطباء الألمان الذين انطلقوا في العقدين التاليين في استخدام الأوزون علاجاً لكثير من الأمراض المختلفة ، سواء أكان علاجاً منفرداً أم علاجاً تكميلياً للوسائل العلاجية المعتادة ، و مع ظهور [ الإيدز ] في الثمانينات من القرن العشرين حاول بعض الأطباء استخدام الأوزون في علاج هذا المرض ، بدرجات لا بأس بها من النجاح ..

و يستخدم الأوزون حالياً في علاج كثير من الأمراض بدرجات متفاوتة من النجاح ، مثل [ أمراض القلب و الجهاز الدوري ، قصور الدورة الدموية ، و الذبحة الصدرية ، توقف عضلة القلب ، أمراض الجهاز التنفسي كالانسداد المزمن بالرئتين ، و الربو الشعبي ، و الاتهاب الرئوي ، و أمراض جهاز المناعة ، و أمراض أخرى : كالشلل و الزهايمر ] ..

يتضح مما سبق أن الأوزون يستخدم في علاج كثير من الأمراض ، التي يختلف بعضها عن بعض اختلافاً كبيراً ، ليس فقط من حيث العنصر المسبب للمرض ، و لكن أيضاً من جهة طبيعة المرض و درجة القصور المصاحبة له ، بل نهايته المتوقعة ، فكيف يعالج الأوزون كل هذه الأمراض ؟ و هل يستطيع دواء واحد مهما كانت فعاليته أن يؤثر في كل هذا الطيف الواسع من الأمراض المختلفة ؟ و إذا كان لهذا الأوزون الفاعلية التي يدعيها المقتنعون به .. فلماذا لم تنتشر هذه الطريقة في العلاج رغم مرور أكثر من قرن على بدايات استخدامه في محال الطب ؟!

يؤدي العلاج بالأوزون إلى وظائف كثيرة ، منها تحفيز إنتاج كريات الدم البيضاء ، خط الدفاع الأول ضد الغزو الميكروبي ، و زيادة مرونة خلايا الدم الحمراء ، و قتل الفيروسات ، و تحفيز الجسم على مقاومة الغزو الميكروبي و الأورام ، كما يؤدي إلى أكسدة الهيدروكربونات ، و زيادة نسبة الأكسجين في أنسجة الجسم ..

و ربما يعود السبب في عدم انتشار هذا النوع من الدواء ، كما تقول الباحثة الكندية [ ناتانيل ألتمان ] إلى أن العلاج بالأوزون لا يدرس في كليات الطب ، إضافة إلى وقوف المجتمع الطبي ضده ليس بالتجاهل فقط ، و لكن بالتهديد أيضاً ، بسحب ترخيص ممارسة المهنة من الأطباء الذين يستخدمون [ الأوزون ] في علاج المرض ، كما أنه علاج قليل التكاليف ، و يمثل تهديداً حقيقياً للمؤسسات الطبية الكبرى ، و من بينها شركات الأدوية العملاقة التي تحتكر العقاقير التقليدية و المستشفيات الخاصة التي اعتادت استخدام أدوية باهظة الثمن ..

و أخيراً ، و رغم مرور أكثر من قرن على استخدام الأوزون في علاج المرضى ، فإن الأبحاث ما زالت تجري للتأكد من فاعليته و فائدته ، و ربما يأتي لنا المستقبل بكثير عن منظومة الطب البديل ، التي ربما تقلب ممارسة الطب ، و تفتح صفحة جديدة في فن المداواة ، فالنظرية العلمية دائمة التغيير و التبديل مع مرور الزمن !