(جهاز المناعة (باللاتينية🙁 Immunologia)                                                                      مقدرة الجسم على مقاومة مواد معينة ضارة مثل البكتيريا والفيروسات التي تسبب الأمراض. يدافع الجسم عن نفسه ضد الأمراض والكائنات الضارة عن طريق جهاز معقد التركيب، يتكون من مجموعة من الخلايا والجزيئات والأنسجة، يسمى جهاز المناعة، حيث يوفر هذا الجهاز الحماية ضد مجموعة متنوعة من المواد الضارة التي تغزو الجسم.

ومن السمات الأساسية لجهاز المناعة مقدرته على تدمير الكائنات الدخيلة دون أن يؤثر على بقية خلايا الجسم السليمة. ولكن جهاز المناعة يهاجم هذه الخلايا أحياناً، ويدمرها، وتسمى هذه الاستجابة الاستجابة المناعية الذاتية أو المناعة الذاتية.

ولا يستطيع جهاز المناعة حماية الجسم من كل الأمراض اعتماداً على نفسه فقط، ولكنه يحتاج أحياناً مساعدة ما. ويعطي الأطباء المرضى لقاحات للوقاية من بعض الإصابات الحادة المهددة للحياة، حيث تعزز اللقاحات والأمصال قدرة الجسم على الدفاع عن نفسه ضد أنواع معينة من الفيروسات أو البكتيريا. وتسمى عملية إعطاء اللقاحات والأمصال بغرض الوقاية التمنيع أو التحصين. وتسمى الدراسة العلمية لجهاز المناعة علم المناعة، ويعود تاريخ علم المناعة إلى أواخر القرن التاسع عشر. فحتى ذلك التاريخ كانت معلومات العلماء عن كيفية عمل جهاز المناعة قليلة. أما اليوم فقد حدث تقدم كبير في المعلومات المتوفرة لدى علماء المناعة، أي الأطباء والعلماء الذين يدرسون جهاز المناعة، عن كيفية عمل هذا الجهاز.

أجزاء جهاز المناعة

يتألف جهاز المناعة من أجزاء عديدة تعمل معاً للدفاع عن الجسم ضد الأمراض التي تنتج عن غزو الممرضات أو السموم للجسم البشري. والممرضات هي الكائنات المسببة للمرض مثل البكتيريا والفيروسات. ويستجيب جهاز المناعة ضد المواد الغريبة عبر سلسلة من الخطوات تسمى الاستجابة المناعيةimmuno response . وتسمى المواد التي تحفز الاستجابة المناعية المستضدات. وتدخل أنواع عديدة من الخلايا في الاستجابة المناعية ضد المستضدات، منها اللمفاويات والخلايا المهيئة للمستضدات.

اللمفاويات lymphocite[

أنواع خاصة من خلايا الدم البيضاء. ومثل بقية خلايا الدم البيضاء تنتج اللمفاويات في نقي العظم، أي النسيج المكوِّن للدم في مراكز العديد من العظام. وتنضج بعض اللمفاويات في نقي العظم، وتصبح لمفاويات بائية، تسمى أيضاً الخلايا البائية B cell. وتتطور بعض هذه الخلايا إلى خلايا بلازمية plasma cell وظيفتها إنتاج الأجسام المضادة، وهي بروتينات تهاجم المستضدات، وتنقل عبر الدم والدموع وإفرازات الأنف والأمعاء.

ولا تنضج لمفاويات أخرى في نقي العظم، وعوضًا عن ذلك، تنتقل عبر مجرى الدم إلى التوتة (الغدة الصعترية)، وهي عضو في أعلى الصدر. وفي التوتة تنمو اللمفاويات غير الناضجة إلى لمفاويات تائية، تسمى أيضا الخلايا التائية T cell.

وتخزن أعداد كبيرة من اللمفاويات في أنسجة تسمى الأعضاء اللمفاوية الأولية والأعضاء اللمفاوية الثانوية. والأعضاء اللمفاوية الأولية هي نقي العظم والتوتة، أي الأماكن التي تنمو فيها اللمفاويات. وتشمل الأعضاء اللمفاوية الثانوية العقد اللمفاوية واللوزتين والطحال. والعقد اللمفاوية أعضاء صغيرة الحجم، حبيبية الشكل، تتركز في مناطق معينة مثل العنق والإبطين، وترشح الجسيمات الضارة والبكتيريا من أوعية تسمى الجهاز اللمفاوي. وفي أثناء مكافحة الجسم للإصابات تنتفخ العقد اللمفاوية وتصبح مؤلمة.

الخلايا المهيئة للمستضدات

تحيط هذه الخلايا بالمواد الغريبة وتهضمها في عملية تسمى البلعمة. ففي هذه العملية تبتلع الخلايا المهيئة للمستضدات المواد الغريبة وتفتتها إلى قطع صغيرة، ثم تهيئ هذه الشظايا المحتوية على قطع المستضدات إلى الخلايا التائية المجاورة، وذلك بتحريك هذه الشظايا إلى سطوحها العلوية لتكون في متناول الخلايا التائية. وفي بعض الحالات يؤدي ذلك إلى حفز الاستجابة المناعية.

وأهم الخلايا المهيئة للمستضدات هي اللمفاويات البائية والخلايا التغصنية والبلاعم. وتتركز الخلايا التغصنية في الأنسجة اللمفاوية، ولكنها توجد أيضًا في كل أنحاء الجسم، وتحتوي على بروزات طويلة ذراعية الشكل. أما البلاعم فتوجد في كل أنحاء الجسم.

خلايا الدم البيضاء الأخرى

من خلايا الدم البيضاء الأخرى ذات الأهمية في مجال مكافحة الإصابات، الحَمِضات والوحيدات والعَدِلات. وهذه الخلايا ـ مثل الخلايا المهيئة للمستضدات ـ من البلاعم، أي بإمكانها بلعمة (ابتلاع وهضم) الممرضات. والعدلات مهمة في قتل الطفيليات، وترتبط بردود أفعال الحساسية.

الاستجابة المناعية

هناك شكلان للاستجابة المناعية 1- الاستجابة المناعية الخلطية 2- الاستجابة المناعية ذات الوسيط الخلوي. ويختلف الشكلان في أجزاء جهاز المناعة الداخلة في الاستجابة المناعية. وتحفز العديد من المستضدات كلا شكلي الاستجابة المناعية.

الاستجابة المناعية الخلطية

يسمى هذا النوع من الاستجابة أحيانًا الاستجابة المناعية بالأجسام المضادة، وذلك لاستخدام الأجسام المضادة في الاستجابة المناعية. وتشير صفة الخلطية إلى السوائل الجسمية التي تحمل الأجسام المضادة. والأجسام المضادة جزيئات بروتينية تنتجها اللمفاويات البائية وخلايا البلازما، وتسمى أحيانًا الجلوبيلينات المناعية. وهي تقي الجسم من العدوى والذيفانات (السموم) التي تفرزها بعض أنواع البكتيريا.

وأول خطوة في الاستجابة الخلطية هي تعرف لمفاوية بائية علي مستضد معين. فكل لمفاوية بائية عالية التخصص ـ أي تستجيب لمستضد معين واحد فقط. وعندما تتعرف اللمفاوية البائية على المستضد الخاص بها تلصق نفسها به، ثم تنقسم إلى عدد من الخلايا المتشابهة، التي تنمو إلى خلايا بلازمية أو إلى لمفاويات بائية ذاكرية. وتنتج الخلايا البلازمية كمية كبيرة من الأجسام المضادة التي تدور عبر الأوعية اللمفاوية ومجرى الدم لتحارب العدوى. وتمكن اللمفاويات البائية الذاكرية الجهاز المناعي من الاستجابة بسرعة في حالة إصابة الجسم بنفس المستضد لاحقًا. وتخزن هذه اللمفاويات في الأعضاء اللمفاوية لحين الحاجة.

وتحارب الأجسام المضادة العدوى بطرق متعددة. فبعض الأجسام المضادة، على سبيل المثال، تغلف المستضدات لتتمكن البلاعم والعدلات من بلعمتها بسهولة. وتعادل الأجسام المضادة أيضًا الذيفانات التي تفرزها البكتيريا.

وتدافع بعض أنواع الأجسام المضادة عن الجسم ضد العدوى بتنشيط مجموعة من البروتينات تسمى المتممة، توجد في الجزء الصافي من الدم، الذي يسمى المصل. وعند تنشيط المتممة تصبح قادرة على المساعدة في ردود الأفعال التي تقتل البكتيريا أو الفيروسات أو الخلايا. فعلى سبيل المثال، تساعد المتممة في عملية البلعمة. ويمكن بلعمة البكتيريا بفعالية أكبر عندما تغلف بالجسم المضاد والمتممة معًا بدلاً من أن تغلف بالجسم المضاد فقط أو المتممة فقط. وفي إمكان بروتينات المتممة أيضًا جذب خلايا الدم البيضاء المكافحة للأمراض إلى منطقة العدوى. والأجسام المضادة، مثل اللمفاويات البائية، عالية التخصص، أي، يعمل كل منها بكفاءة ضد مستضد معين.

وتتفاوت تأثيرات المستضدات على الجسم. ففي بعض الحالات ينتج الجسم أجسامًا مضادة كافية لمنع ظهور الأعراض عند دخول المستضدات الغريبة إلى الجسم. وفي حالات أخرى لا ينتج الجسم الأجسام المضادة الكافية لمنع ظهور الأعراض، ولكن الأجسام المضادة تساعد في شفاء المريض.

ويختلف جهاز المناعة من شخص إلى آخر اعتمادًا، إلى حد كبير، على الوراثة. ونتيجة لذلك تختلف استجابة كل فرد ضد المستضدات. فعلى سبيل المثال، لا يتأثر جهاز المناعة لدى معظم الناس بحبوب اللقاح، ولكن المصابين بنوع من الحساسية يسمى حمى القش يتأثرون بها، حيث تحفز هذه الحبوب ـ بوصفها مستضدات ـ الاستجابة المناعية.

الاستجابة المناعية ذات الوسيط الخلوي

يحدث هذا النوع من الاستجابة بفعل اللمفاويات التائية ومنتجاتها الكيميائية. واللمفاويات التائية عالية التخصص، ولا تستجيب إلا لمستضدات معينة. ويساعد نوعان متخصصان من البروتينات هما بروتينات تركيبة التوافق النسيجي الرئيسية، المعروفة باسمها المختصر بروتينات م هـ ك، وبروتينات مستقبلات الخلايا التائية في تحديد استجابة اللمفاوية التائية ضد مستضد معين. وتوجد بروتينات م هـ ك على السطوح الخارجية لمعظم الخلايا، بينما توجد بروتينات مستقبلات الخلايا التائية على سطوح اللمفاويات التائية.

تبدأ الخطوة الأولى في الاستجابة ذات الوسيط الخلوي بعمل البلاعم وغيرها من الخلايا المهيئة للمستضدات. فبعد دخول مستضد ما إلى الجسم تبتلع الخلايا المهيئة للمستضدات المستضد وتهضمه إلى قطع تسمى الببتيدات المستضدية. وترتبط بروتينات م هـ ك بالببتيدات لتكوين تركيبات م هـ ك الببتيدية، التي تسمى أيضًا تركيبات م هـ ك المستضدية، حيث يحدث هذا الارتباط بين بروتينات م هـ ك معينة وببتيدات متخصصة. وبعد ذلك تعرَّض تركيبات م هـ ك الببتيدية على سطوح الخلايا المهيئة للمستضدات.

وعند تعريض تركيبات م هـ ك الببتيدية تختبر مستقبلات الخلايا التائية على اللمفاويات التائية المجاورة هذه التركيبات لتحديد إمكانية ارتباط اللمفاويات التائية بها، حيث تتطابق تركيبات م هـ ك ببتيدية معينة مع مستقبلات خلايا تائية معينة، تمامًا مثلما تتطابق المفاتيح مع الأقفال. وبحدوث التطابق بين تركيبات م هـ ك الببتيدية ومستقبلات الخلايا التائية تُرسل أول إشارة لتنشيط اللمفاويات التائية.

ويتطلب تنشيط اللمفاويات التائية أيضًا إشارة ثانية من الجزيئات الإضافية الموجودة على سطوح الخلايا المهيئة للمستضدات والخلايا التائية. وتتهيأ هذه الجزيئات للعمل عندما تختبر مستقبلات الخلايا التائية تركيبات م هـ ك الببتيدية. ولا تنشَّط سوى اللمفاويات التي تستقبل إشارتين خاصتين ـ إشارة من مستقبلات خلاياها التائية وأخرى من جزيئاتها الإضافية. وبمجرد تنشيطها تبدأ اللمفاويات التائية في التكاثر، ثم تُطلق من الأعضاء اللمفاوية إلى مجرى الدم والأوعية اللمفاوية لمكافحة العدوى.

ويتوقف نوع الخلية التائية المشاركة في الاستجابة ذات الوسيط الخلوي على نوع المستضد. ففي الخلايا المصابة بالفيروسات تنشط المستضدات عادة اللمفاويات التائية السامة للخلايا، التي تقتل الخلية المصابة. وتنشط مستضدات أخرى اللمفاويات التائية المساعدة لإفراز مواد كيميائية تسمى اللمفوكينات، تنتمي إلى مجموعة من المواد الكيميائية تسمى السيتوكينات. ويحفز نوع من اللمفوكينات إنتاج ونمو اللمفاويات التائية السامة للخلايا، لقتل الخلية المصابة، بينما تسبب أنواع أخرى تجمع البلاعم في منطقة الإصابة، وتساعدها على تدمير الكائنات الدخيلة.

ومن مجموعات اللمفاويات التي تدافع عن الجسم ضد الفيروسات والأورام الخلايا القاتلة طبيعيًا. وهذه الخلايا تختلف عن اللمفاويات الأخرى في عدة أوجه. فهي على سبيل المثال لا تحتاج مساعدة مستقبلات الخلايا التائية، كما أن عملها لا يتطلب تنشيط تركيبات م هـ ك الببتيدية. وعوضًا عن ذلك تقتل الخلايا القاتلة طبيعيًا الخلايا المحتوية على المواد الغريبة.

وبعد أن يتم جهاز المناعة معالجة العدوى تفرز الخلايا التائية لمفوكينات تكبت الاستجابة المناعية أو تعطلها، وبذلك يتوقف إنتاج اللمفاويات التائية المناسبة، وينتج عن ذلك موت الكثير من الخلايا التائية المنشطة. ولكن بعضها تخزن في الأعضاء اللمفاوية، حيث تبقى هناك مهيأة لمكافحة أي عدوى مماثلة عند الحاجة.

وتؤدي الاستجابة المناعية ذات الوسيط الخلوي دورًا مهمًا في نجاح أو فشل زراعة الأعضاء. فمانحو الأعضاء ومتلقوها مختلفون وراثيًا، وذلك باستثناء التوائم المتطابقة التي تحمل نفس التركيب الوراثي. ونتيجة لذلك يعامل جهاز المناعة في جسم المتلقي العضو المزروع معاملة العضو الغريب، مما يؤدي إلى استثارة الاستجابة المناعية ذات الوسيط الخلوي، وبالتالي تدمير العضو المزروع أو رفضه. ولتقليل احتمال رفض العضو يحاول الأطباء إجراء عمليات زراعة الأعضاء بين المانحين والمتلقين المتشابهين في تركيبهم الوراثي، ويستخدمون أدوية تسمى الأدوية الكابتة للمناعة، التي تمنع الاستجابة المناعية من الحدوث أو تحد نشاطها.