ابتكار تركيبة نانوية لإيقاف «تسوس الأسنان»

يمثِّل تسوس الأسنان -الذي يُسمى أيضًا نخر الأسنان أو النخور- إحدى أكثر المشكلات الصحية شيوعًا حول العالم؛ إذ لا يخلو منه بيت.

يحدث تسوس الأسنان في أجزاء من السطح الصلب للأسنان، فيبدو على هيئة ثقوب أو فتحات صغيرة، وينجم عن مجموعة من العوامل، مثل البكتيريا الموجودة في الفم، والتناول المتكرر للأطعمة والمشروبات السكرية، وعدم تنظيف الأسنان جيدًا، وهي العوامل التي تؤدي إلى تشكُّل غشاء صلب لزج يُعرف بـ”بلاك الأسنان” وتكوُّن أحماض تساعد على تآكُل “مينا الأسنان” وتسوُّسها.

وطوال الفترة الماضية، اعتمد أطباء الأسنان والمستهلكون على وقف تسوُّس الأسنان باستخدام منتجات يدخل في تركيبها مركبات كيميائية مثل “فلوريد القصدير الثنائي” و”نترات الفضة” و”فلوريد ثنائي أمين الفضة”.

لكن فريقًا بحثيًّا في جامعة “إلينوي” بشيكاغو توصل إلى وسيلة جديدة يمكنها الحد من “تسوس الأسنان”، وفق ما أعلنوه ضمن فعاليات المؤتمر الافتراضي الذي تعقده الجمعية الكيميائية الأمريكية اليوم “الإثنين” 17 أغسطس.

استخدم الباحثون تركيبةً تعتمد على جسيمات نانوية من أكسيد السيريوم لوقف تكوُّن “بلاك الأسنان” الناتج عن “العقدية الطافرة” (Streptococcus mutans)، وهي نوع من البكتيريا يرتبط بإحداث تسوس الأسنان؛ إذ يعمل على ترسُّب غشاء حيوي شديد الالتصاق -عديم اللون أو أصفر باهت- يتشكل بانتظام على الأسنان والتجاويف.

يقول راسل بيسافينتو، الأستاذ المساعد الإكلينيكي الزائر بكلية طب الأسنان بجامعة إلينوي، والباحث الرئيسي في الدراسة: إن “هذه البكتيريا تسبب تسوس الأسنان، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى ميلها إلى تشكيل طبقة البلاك عن طريق الالتصاق بسطح السن. وعندما تنمو هذه البكتيريا، فإنها تضر بسطح الأسنان”.

يضيف “بيسافينتو” في تصريحات لـ”للعلم”: حاولنا التحقق من إمكانية استخدام جسيمات أكسيد السيريوم النانوية كوسيلة للحد من التصاق الأغشية الحيوية على سطح الأسنان.

يحتوي الفم على أكثر من 700 نوع من البكتيريا، بعضها يبدو مفيدًا؛ إذ يساعد على هضم الطعام أو يحافظ على الميكروبات الأخرى تحت السيطرة. لكن بعد فترة وجيزة من التنظيف يلتصق بعض أنواع هذه البكتيريا بالأسنان ويبدأ في التكاثر. ومع استخدام السكر مصدرًا للطاقة، تشكل الميكروبات تدريجيًّا طبقة صلبة لا يمكن إزالتها بالفرشاة بسهولة، ومع استمرار أداء البكتيريا لدورها في عملية التمثيل الغذائي للسكر، فإنها تنتج منتجات ثانوية حمضية تعمل على إذابة مينا الأسنان، مما يمهد الطريق للتسوس.

يقول “بيسافينتو”: درسنا أيضًا الجسيمات النانوية المصنوعة من أكسيد الزنك أو أكسيد النحاس أو الفضة لعلاج التهابات الأسنان، وبالرغم من أن هذه الخامات المبيدة للجراثيم لها دور في طب الأسنان، إلا أن التطبيقات المتكررة لها يمكن أن تؤدي إلى تلطُّخ الأسنان ومقاومة البكتيريا لها، كما أن هذه الخامات قد تقتل بعض البكتيريا المفيدة في الفم، لذلك حاولنا إيجاد بديل لا يقتل البكتيريا بشكل عشوائي في الفم، ويساعد على منع تسوُّس الأسنان في ذات الوقت، بدلًا من علاجه بعد حدوثه بالفعل.

ويتابع: قمنا بتخليق بيئة معملية مماثلة لما يحدث في الفم، وقمنا بتغذية البكتيريا بالسكر في وجود محلول يحوي جسيمات أكسيد السيريوم النانوية، وقمنا أيضًا باختبار تكوين الأغشية الحيوية في حال عدم وجود هذه الجسيمات، ووجدنا أن جسيمات أكسيد السيريوم النانوية قللت تكوُّن الأغشية الحيوية بنسبة 40%، في حين لم تُظهر مادة مثل نترات الفضة -وهي عامل مضاد للتجاويف يستخدمه أطباء الأسنان- أيَّ تأثير على وقف نمو الأغشية الحيوية.

يقول “بيسافينتو”: وجدنا أن العلاج الذي نقدمه يبدو أقل ضررًا لبكتيريا الفم المفيدة، ولا يتسبب في قتلها في كثير من الحالات، وأن  الجسيمات النانوية تمنع الميكروبات من الالتصاق بأسطح الأسنان ومن تشكيل أغشية حيوية تلتصق بها. كما أن الأخطار السُّمِّيَّة للجسيمات النانوية المعتمدة على أكسيد السيريوم كانت أقل من تلك الموجودة في نترات الفضة.

كما أجرى الباحثون تجارب على الطلاءات لتثبيت الجسيمات النانوية عند درجة حموضة محايدة -أو قاعدية قليلًا- بحيث تكون أقرب إلى درجة حموضة اللعاب وأكثر صحةً للأسنان مقارنةً بالمنتجات الأخرى المتاحة حاليًّا.

ويسعى الباحثون إلى تجريب العلاج -مستقبلًا- في وجود سلالات بكتيرية أخرى موجودة عادةً في الفم، بالإضافة إلى اختبار آثاره على الخلايا البشرية في الجهاز الهضمي السفلي للتحقق من  معايير السلامة العامة للمرضى، وفق “بيسافينتو”.

المصدر: https://www.scientificamerican.com/arabic/articles/news/stopping-tooth-decay-before-it-starts/