يغفل الكثير من المرضى عن خطورة الغازات الطبية ومنها “الأكسجين” و”النيتروجين” المتوفرة في المستشفيات، خاصةً الأطفال وكبار السن؛ لأسباب متعلقة بالمواصفات، إذ من الممكن انقلاب هذه الغازات من دواء وعلاج إلى مسبب رئيس في الوفاة!. ويجهل معظم المتعاملين مع الغازات الطبية تفاصيل مواصفاتها، مما يورّدها إلى المستشفيات بتراكيز عالية جداً، بل ومخالفة للمنصوص عليها في دساتير الأدوية العالمية، كذلك تفتقر أسطوانات الغازات الطبية إلى البطاقة التعريفية -كأي سلعة- يوضح فيها اسم الغاز ورمزه الكيميائي وتركيزه ونقاوته ورقم التشغيلة أو الانتاج وتاريخ التعبئة ونهاية الصلاحية وتاريخ آخر فحص لصلاحية الأسطوانة.

 

ولكي نُقلل من مخاطر الاستخدام السلبي للغازات الطبية لابد من تضافر جهود كل من وزارة الصحة، التجارة والصناعة، الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس، هيئة الغذاء والدواء في تأسيس قواعد جديدة للتعامل مع الغازات الطبية وتصنيعها، وأن يتم تسجيل مصانع الغازات ومنتجاتها، وكذلك إنشاء وحدة لإنتاج الغازات الطبية تزوّد المستشفى باحتياجها ويشرف عليها صيادلة أو كيميائيون متخصصون.

 

أخطاء قاتلة

 

وقال “د. عبدالغفور بن عبدالمغيث التركستاني” -استشاري أبحاث تصميم وتطوير وتخليق الدواء بكلية الصيدلة جامعة الملك سعود بالرياض-: قدمت رسمياً دراسة متكاملة إلى وزارة الصحة حوت تقريراً مفصلاً عن مواصفات الغازات الطبية وبعض المصانع الوطنية التي تصنعها، بموجب عقد توريد الغازات الطبية لعام ١٤٣٢ه ولمدة ثلاثة أعوام، وما لاحظته من أخطاء قاتلة في التعامل معها، مضيفاً أنه تقدم كذلك بمقترحات وتوصيات لتحديث مواصفات تلك الغازات وتوحيدها في كافة مستشفيات مناطق المملكة، مُشدداً على ضرورة تقنين طريقة إسالة الغازات وتصنيعها وتحليلها والتعرف عليها من خلال تشكيل لجنة من وزارة الصحة والمختصين في المستشفيات التابعة لكل من وزارات الداخلية، والحرس الوطني، والدفاع، وكذلك وزارة التجارة والصناعة، والهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس، وهيئة الغذاء والدواء، متأسفاً أن الموضوع لم يحظ باهتمام وزارة الصحة على الرغم من أهميته وخطورته، مناشداً “د. محمد آل هيازع” -وزير الصحة-، وكافة المسؤولين في وزارة الدفاع والحرس الوطني والداخلية التي تقدم خدمات الرعاية الصحية لمنسوبيها اتخاذ ما يلزم لتصحيح الأخطاء المتعلقة بهذه الغازات الطبية، والتي تعد ركناً أساسياً في علاج المرضى.

 

مصطلحات كيميائية

 

وأوضح “د.التركستاني” أن من الغازات الطبية “الأكسجين” و”النيتروجين”، و”ثاني أكسيد الكربون” و”النيترس أوكسايد” -يستخدم في التخدير-، مضيفاً أن أكثر الغازات استخداماً هي “الأكسجين” لمعظم المرضى، خاصةً في قسم الحضانة والعناية المركزة، متأسفاً أن معظم المتعاملين مع هذه الغازات الطبية يجهلون تفاصيل مواصفاتها، ولا يفرقون بين مصطلحي “التركيز” و”النقاوة”، مبيناً أن التركيز يدل على مقياس كمية من مادة ما في حجم أو وزن معين لخليط ما، ويعبر عنه بالوزن أو الكتلة المولية، أمّا “النقاوة” -درجة النقاء- فتُعبر عن الحالة التي لم يتم فيها تخفيف أو مزج المادة المعنية بمواد إضافية، أو ملوثات ناتجة عن عملية التحضير، ويعبّر عنها كنسبة مئوية، أي نسبة الملوثات في المادة الأساسية، مؤكداً على أن هذه المصطلحات الكيميائية العلمية لا يعرفها إلاّ أهل الكيمياء ومنهم “د. محمد آل هيازع” -وزير الصحة-، مشيراً إلى أنه نتيجة لعدم التفرقة هذه فإنه يتم توريد الغازات الطبية الى المستشفيات بتراكيز عالية جداً، بل ومخالفة للتراكيز المنصوص عليها في دساتير الأدوية العالمية، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة أكسدة وتلف خلايا المخ، وفي حالة حديثي الولادة يؤدي إلى احمرار البشرة وتلف خلايا المخ، من خلال توجيه ذلك “الأكسجين” المركز والمخالف لمواصفات دساتير الدواء على الحضانات.

 

لا يوجد اتحاد

 

وأكد “د. التركستاني” على أنه لا يوجد اتحاد لمصنعي الغازات الطبية، بل ولا يتم الاشراف عليها من أي جهة حكومية، وذلك لتعدد الجهات المعنية بمنح رخص تصنيع الغاز الطبي، الأمر الذى أدى إلى افتقار ملفات الدولة إلى أي تحليل أو مرجع لهذه الغازات، حيث إن جميع الوزارات كالصحة والتجارة والصناعة والمؤسسات والهيئات الحكومية كالهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس وهيئة الغذاء والدواء، وكذلك الجامعات ومستشفياتها المختلفة، والمستشفيات التخصصية وغيرها، جميعهم ليس لديهم أو في ملفاتهم منذ الإنشاء أي تحليل عن أي غاز طبي، مبيناً أنه لم تعمل أي جهة بتحليل هذه الغازات وعبواتها لتؤكد المحتوى الداخلي لها ونقاوتها وتركيزها ومدى صلاحية اسطوانة الغاز، لافتاً إلى أن الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس وضعت مواصفات الغازات الطبية مع دول الخليج العربي منذ عام 1991م، ويتم تحديث المواصفات كل ثلاثة أو خمسة أعوام، لكن للأسف ليس لدى مختبرات الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس الامكانات والقدرات لتحليل وتقويم هذه الغازات الطبية والتعرف عليها.

 

بطاقة تعريفية

 

وذكر “د. التركستاني” أن الأسطوانات تفتقر إلى البطاقة التعريفية -كأي سلعة- يوضح فيها اسم الغاز ورمزه الكيميائي وتركيزه ونقاوته ورقم التشغيلة أو الانتاج وتاريخ التعبئة ونهاية الصلاحية وتاريخ آخر فحص لصلاحية الأسطوانة، حيث من المفروض أن تفحص كل اسطوانة كل عامين أو ثلاثة، على أن يكون لكل أسطوانة رقم مميز لها لسهولة تتبعها وفحصها دورياً حسب الاشتراطات والمواصفات العالمية، مبيناً أن الاسطوانة تفتقر إلى الترميز والتمييز اللوني حسب المعايير الدولية التي وضعت لوناً معيناً لكل اسطوانة غاز؛ لتمكين التفريق بين الغازات الطبية، مؤكداً على أن عدم التمييز اللوني بين أسطوانات الغاز الطبي وزيادة تركيزها عما هو منصوص عليه في دساتير الأدوية يؤدى إلى الوفاة، ذاكراً أن وزارة الصحة تعامل الغازات الطبية كأي ملزمة طبية دون الرجوع لدساتير الأدوية وليس كدواء يستخدم في العلاج، مقترحاً إعادة النظر في مواصفات هذه الغازات الطبية من حيث التركيز والنقاوة والبطاقة الدوائية التعريفية للغازات الطبية.

 

طبي وصناعي

 

وتحدث “د. صبحي بن علي الحداد” -عضو الجمعية الصيدلية السعودية- قائلاً: الأغلبية لا يميزون بين الغاز الطبي والغاز الصناعي، الصناعي يُستخدم في أغراض اللحام والقص، وتركيز “الأكسجين” فيه (99.99%)، أمّا الطبي فإن تركيزه (93%) وزناً، مضيفاً أنه تم الخلط بين مفهومي التركيز والنقاء، ظناً أن النقاء هو التركيز وهو المطلوب طبياً، الأمر الذي أدى إلى استلام الجهات المستخدمة لهذا الغاز الطبي بتركيز (99.99%) وزناً، والحجة في ذلك طالما أن تركيز الغاز في الأسطوانة (99.99%) فهذا دليل دامغ على أن نقاء الغاز في الأسطوانة (99.99%) وهو المطلوب في مواصفات بعض الجهات الصحية مثل وزارة الصحة، مبيناً أنه ترتب على ذلك تضرر المرضى خاصةً الأطفال وحديثي الولادة وكبار السن المنومين في غرف العناية المركزة المصابين بالجلطات في القلب أو المخ أو الأوعية الدموية، ذاكراً أنه يكمن الضرر في تلف الأنسجة الرخوة في المخ على المدى الطويل بتلك التراكيز العالية وغير المنصوص عليها في دساتير الأدوية، مشيراً إلى أن هناك ملاحظة مهمة فيما يتعلق بحفظ ونقل أسطوانات الغاز الطبي، حيث لوحظ نقلها بعربات مكشوفة تحت أشعة الشمس، وقد شاهد ذلك عدة مرات دون مراعاة لدرجات الحرارة، مُشدداً على أهمية إعادة النظر في أساليب حفظ ونقل هذه الغازات. وأضاف: يجب أن تتضافر جهود كل من وزارة الصحة، التجارة والصناعة، الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس، هيئة الغذاء والدواء في تأسيس قواعد جديدة للتعامل مع هذه الغازات وتصنيعها طبياً، وأن يتم تسجيل مصانع الغازات ومنتجاتها، وكذلك عمل تسعيرة مناسبة لها أسوة بمصانع وشركات الأدوية ومنتجاتها، مقترحاً إنشاء وحدة لإنتاج الغازات الطبية تزود المستشفى باحتياجها ويشرف عليها صيادلة أو كيميائيون متخصصون. 

 

تمييز الأسطوانات

 

وأوضح “د. سمير بن سعد الدين المغربي” -مفتش علاجي بالرخص الطبية بصحة جدة سابقاً- أنه من الضروري مزج غاز “النيتروجين” بنسبة (7%) من الوزن الإجمالي لمحتوى أسطوانة الغاز وبنقاء نسبته (99.99%) ب”الأكسجين” بنسبة (93%) وزناً من محتوى أسطوانة الغاز وبنقاء يبلغ نسبته (99.99%)، ليشكلا معاً (100%) من الوزن الإجمالي لمحتوى أسطوانة غاز “الأكسجين” الطبي، ليعطيا للمريض مزيجاً موحداً رطباً، مُشدداً على ضرورة تمييز أسطوانات الغاز وتفريقها عن بعضها بما يضمن عدم الخلط بينها، فكلنا يذكر حادثة وفاة طفل في أحد المستشفيات الخاصة نتيجة الخطأ في تمييز أسطوانة الغاز، حيث تم اعطاؤه غاز “النيتروجين” بدلاً من “الأكسجين”، وبجرعات عالية بدلاً من أخذ “الأكسجين” مخلوطاً بغاز “النتروجين” كما هو متعارف عليه عالمياً. وأضاف: المسؤول عن الغازات الطبية في المستشفيات التابعة لوزارة الصحة هو قسم التشغيل والصيانة تحت إشراف مهندسين مهمتهم استلام اسطوانات الغاز المختلفة من الموردين، ووضعها في غرفة الامدادات المخصصة لحفظ الغازات، ثم متابعة ربطها بالتوصيلات التي تغذي المرضى في الأقسام المختلفة في المستشفی، ومتابعة العدادات والأنابيب والتوصيلات والصمامات، دون مسؤولية عن المحتوى من الغازات من حيث الجودة والمواصفات حتی تصل الی  المرضى.

 

وجود متخصص

 

وأكد د. المغربي” على أهمية أن يكون الصمام الموجود في أسطوانات الغاز مختلف الأشكال حسب نوع الغاز، كما هو موجود في الأماكن المستخدمة للغازات، أي المخارج، حيث ان كل مخرج غاز له شكل وتصميم مخالف للآخر، مضيفاً أنه لوحظ في باحات بعض المستشفيات مراجل ضخمة لغاز “الأكسجين” الطبي تحت لهيب الشمس وأشعتها الحارقة، مما يؤثر على مواصفات الغاز بداخلها، مطالباً بضرورة تواجد صيدلي أو كيميائي متدرب ومتخصص في الغازات الطبية يكون مشرفاً عليها منذ لحظة استلامها وحتى إعطائها للمريض، وكذلك الأخذ بالترميز اللوني لكل غاز بحيث تكون الأنابيب الخاصة لكل غاز لها نفس اللون لاسطوانة الغاز الخاص بها، مع وجود لوحات ارشادية و”بروتوكول” معتمد من جهة مختصة للغازات الطبية للمتعاملين معها يوضح كل التفاصيل، كي لا يحدث خلط أو خطأ في التعامل معها، على أن تكون موحدة لجميع مستشفيات المملكة الحكومية منها والخاصة.     وأيّد “د.أسامة محمد صالح سجيني” -مساعد المدير العام للرعاية الصيدلية والتموين الطبي بمنطقة مكة المكرمة- ما ذكره الزملاء حول الغازات الطبية، مبيناً أنها قضية يجب النظر إليها بعين الاعتبار، والعمل على حلها وإيجاد الطريقة المناسبة لها.