ما هي ظاهرة اللابؤرية (Astigmatism)؟ وما هي الحلول التي يوفرها الطب الحديث لهذه الظاهرة المرضية؟!

في الوضع الطبيعي، تنكسر اشعة الضوء التي تصل الى شبكية العين بشكل يجعل البؤرة تتموضع في مركز الشبكية، او ما يسمى ببقعة الشبكية (Macula). في هذا الوضع الطبيعي، يكون بامكاننا رؤية الصورة التي امامنا بشكل واضح.

اما في الحالة التي تدعى قصر النظر، فتكون البؤرة قبل الشبكية، وهكذا فاننا نستطيع رؤية الاجسام القريبة من العين بشكل واضح، بينما تكون هنالك ضبابية في رؤية الاجسام البعيدة.

وفي الحالة التي تدعى بعد النظر، تكون البؤرة بعد الشبكية. واذا كان بعد النظر كبيرا، فان المريض يعاني من خلل في رؤية الاجسام القريبة من العين، ثم يعاني، في مرحلة متاخرة، من خلل في رؤية الاجسام البعيدة عن العين.

اللابؤرية، هي حالة من الخلل الانكساري الذي يحتاج المريض عند الاصابة به لعدسات اسطوانية (Cylinder). تنجم اللابؤرية عن تفاوت مستوى التحدب في مختلف اجزاء القرنية او عدسة العين. في هذه الحالة، تتجمع اشعة الضوء في نقطتين تقعان في اماكن مختلفة من العين، الامر الذي من شانه ان يشوه اشعة الضوء التي تصل الى العين، ويؤدي لضبابية الرؤية البعيدة والقريبة.

تعتبر ظاهرة اللابؤرية امرا واسع الانتشار بين الناس. لكن نسبة لا باس بها من الاشخاص الذين يعانون من اللابؤرية المخفضة، لا يعلمون اصلا انهم يعانون من هذه الحالة. يتم قياس اللابؤرية وفق وحدات “ديوبتر” (Diopter), وهي وحدة قياس الانكسار في العدسات، كما هو الحال في قياس رقم النظارات. في الواقع، فان الرقم الاجمالي الموجود، يتالف من رقم التصحيح، رقم العدسة الاسطوانية، والمحور الاسطواني. اما الطريقة التي يتم استخدامها من اجل تحديد الرقم في العين، فتتم من خلال فحص يدعى فحص الانكسار (Refraction). يقوم مختص تصحيح البصر (Optometrist) او طبيب العيون باجراء هذا الفحص، الذي يتطلب اجراؤه توفر معدات بصرية.

يمكن تصنيف اللابؤرية وفقا لدرجات مختلفة: درجة منخفضة (حتى 1 ديوبتر), درجة متوسطة (بين 1 – 3 ديوبتري) ودرجة مرتفعة (اكثر من 3 ديوبتري).

اضافة الى الدرجة، يتم تحديد اتجاه اللابؤرية وما اذا كانت البنية منتظمة او لا. بالامكان معرفة ما اذا كان هنالك انتظام او عدم انتظام من خلال استخدام وسائل التصوير المختلفة، اهمها تصوير طوبوجرافيا القرنية (Corneal topography). يتيح هذا التصوير تلقي معلومات تتعلق بتحدب مختلف اجزاء القرنية، ويعتبر وسيلة هامة في ملاءمة المختصين للعدسات اللاصقة، كما انه يساهم في تحديد مدى ملاءمة الشخص لاجراء عملية ازالة النظارات بواسطة اشعة الليزر، وفي تشخيص امراض القرنية المختلفة كتمخرط القرنية (Keratoconus) او احديداب القرنية (Pellucid marginal degeneration).

يجدر التنويه الى انه في حالات الاصابة باللابؤرية بدرجة عالية وغير منتظمة، وفي الحالات التي تزداد فيها اللابؤرية خلال فترة قصيرة، من المهم ان يقوم طبيب العيون بفحص المريض، وفي بعض الحالات قد يوصي باجراء فحص تصوير طوبوجرافيا القرنية من اجل تشخيص او استبعاد الاصابة بهذه الامراض في القرنية.

كيف تتم معالجة اللابؤرية؟

الطريقة المحافظة المتبعة في علاج ظاهرة اللابؤرية، هي استخدام الوسائل البصرية، كالنظارات او العدسات اللاصقة المخصصة لاصلاح هذا التشوه.

طريقة اخرى لعلاج حالة اللابؤرية، هي اجراء مختلف انواع العمليات الجراحية من اجل اصلاح التشوه البصري:

  1. العلاج بواسطة اشعة الليزر – في هذا العلاج، يتم صقل السطح الخارجي للقرنية وفقا لحدة اللابؤرية (الرقم) التي يعاني المريض منها، ووفقا للمحور البصري المطلوب. يعتمد علاج الليزر على فحوص الانكسار وتصوير القرنية التي خضع لها المريض، والتي تم اجراؤها عبر استخدام تقنيات محوسبة حديثة. بالامكان، بواسطة هذا العلاج، اصلاح اللابؤرية بدرجة عالية من الدقة، طالما كانت بنيتها منتظمة.
  2.  بضع القرنية اللابؤرية (AK – Astigmatic keratotomy) –  يتخلل هذا الاجراء احداث شقوق مختلفة في القرنية بواسطة سكين من الماس. يتم بهذه الطريقة تقليص (وحتى ازالة) اللابؤرية الموجودة. يتم اجراء هذا العلاج غالبا كجزء من عملية جراحية اضافية يجري القيام بها (مثلا في اطار عملية الساد لمريض يعاني من اللابؤرية).
  3. زرع العدسة داخل العين – وتسمى هذه العملية بـ “Faco”. في هذه الحالات، يدور الحديث عن اشخاص تتراوح اعمارهم ما بين 20-40 عاما، يعانون من قصر او بعد النظر بدرجة كبيرة، مع او بدون لابؤرية. حيث يتم ادخال عدسة صناعية صغيرة ودقيقة الى داخل العين خلال هذه العملية الجراحية. تقوم هذه العدسة بالاصلاح البصري المطلوب. يكون نحو 2% من الاشخاص الذين يتم فحص مدى ملاءمتهم لعملية ازالة النظارات باستخدام الليزر، ملائمين للخضوع لعملية زرع العدسة. هنالك انواع مختلفة من العدسات، حيث ان العدسة الاكثر جودة وامانا لاصلاح قصر النظر هي العدسة من نوع (Artiflex)، بينما تعتبر الـ (Artisan) العدسة الاكثر نجاعة لعلاج اللابؤرية المتوسطة حتى المرتفعة. تشمل انواع العدسات الاخرى المستخدمة في اصلاح حالات اللابؤرية عدسة الـ ICL. 

بالنسبة للاشخاص الذين يعانون من مرض الساد (Cataract )، هنالك علاج جراحي اضافي، وهو استخدام العدسات خلال اجراء الجراحة. في هذه العملية الجراحية، تتم ازالة عدسة العين الطبيعية المعتمة واستبدالها باخرى صناعية. يتم اليوم اجراء هذه العملية غالبا من خلال احداث شق صغير بطول 1-3 ملم، حيث يتم، خلال العملية، شفط عدسة العين الطبيعية بواسطة جهاز امواج فوق صوتية دقيق ومتطور. عند انتهاء العملية، يتم زرع عدسة صناعية في العين ومن ثم اغلاق الشق دون الحاجة لوضغ الغرز. تعتبر الفترة الزمنية اللازمة لاجراء العملية وفترة النقاهة اللازمة للشفاء بعدها قصيرة بالعادة. كذلك، تكون العدسات التي تم زرعها ذات قدرة على اصلاح الرقم، وليس بوسعها اصلاح اللابؤرية ان وجدت. وبالتالي فان الانسان الذي يعاني من الساد ومن اللابؤرية، يحتاج في نهاية الامر لوضع نظارات من اجل اصلاح اللابؤرية. اليوم، هنالك عدسات حديثة بامكانها اصلاح حالات اللابؤرية. بامكان من يعانون من الساد ومن اللابؤرية معا ان يحصلوا على نتيجة جيدة عند استخدام هذه العدسات.